وفى رواية أخرى : أن أبا طالب فى مسيرته إلى الشام مرّ ببلدة بصرى ، وبها راهب يقال له بحيرا ، وكان كثيرا ما يمرون به فلا يكلمهم ، حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته كانوا ينزلونه كلما مروا ، التقوا به فدعاهم الى الغداء ، وصنع لهم طعاما ، وسبب ذلك أنه رأى فوقهم غمامة تظلل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من بين القوم ، إلى أن بلغوا الشجرة التى ينزلون تحتها ، ونظر بحيرا فرأى الشجرة تخضّلّ أغصانها عليه (أى تكثر) حتى أظلته ، فدعاه إليه وحادثه ، ثم قال لعمه : ارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر اليهود ، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ، ليبغنّه عنتا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده فى كتبنا وما روينا عن آبائنا! ـ وقال لأبى طالب : لا تخرجن بابن أخيك إلى ما هاهنا ، فإن اليهود أهل عداوة ، وهذا نبىّ هذه الأمة ، وهو من العرب ، واليهود تحسده ، تريد أن يكون من بنى إسرائيل ، فاحذر على ابن اخيك! ـ فهذا إذن ما كان من بحيرا بحسب رواية ابن سعد ؛ وأما رواية ثيوفانس عن بحيرا فقد نسب إليه أنه علّم محمدا ما تحويه الكتب المقدسة ، وما كان ثيوفانس من علماء المسيحية ، وكان شخصية مكروهة كمسيحى ، وكتابه Chronographis لا يعدّ أبدا كتابا علميا فى التاريخ بأى مقياس من المقاييس ، وكان ما أخذه على محمد إنكاره التثليث ، وتحريمه للصور والتماثيل ، وكان شغل ثيوفانس الشاغل أن يحارب أعداء الصور والتماثيل حتى من بين المسيحيين ، وشدّد على أن اليهود وهم أيضا أعداء للصور والتماثيل ـ سمموا أفكار محمد ، واشترك عشرة منهم فى تسميمه! والنصارى واليهود تلقفوا ما قال ثيوفانس عن بحيرا ، وظهرت سلسلة من مؤرخيهم وكتّابهم ، تحدّثوا جميعا عن أن «بحيرا» هو معلّم محمد ، وأن محمدا فى الحقيقة كان نصرانيا تلقّى النصرانية على بحيرا ، وترهّب ، ولكنهم طردوه ، فأراد أن ينتقم من المسيحية بالدعوة إلى ديانة جديدة تنافسها ، فكانت دعوته للإسلام ، فالإسلام فى حقيقته لا يصحّح المسيحية ولا اليهودية كما يدّعى محمد ، وإنما الإسلام هرطقة يهودية نصرانية!!! والإجماع بين هؤلاء المتخرّصين على أن بحيرا ـ واسمه الحقيقى سيرجيوس ، كان من النساطرة الهراطقة ، ولجأ لذلك إلى الهروب إلى بلاد العرب ، فالتقى بمحمد ولقنه هرطقته النسطورية الإسلامية ، وعلمه اللغات والأساطير ، وتعلم محمد منه تحريم الخمر ، وامتهن قطع الطرق على القوافل ، وصار تجمّع أصحابه على البغى والعدوان باسم الدعوة لله ، وعلّمه بحيرا السحر والشعوذة ، وأن يزعم ان الوحى يأتيه هديرا فى أذنه ، وزعم أنه يصاب من ذلك بحالة تخشّب كالصرع ، وتلقف ذلك علماء اليهود ، فأطلقوا على هذا النوع من الصرع!!! اسم «صرع الأنبياء» ، يقصدون به صرع محمد! والغريب أنهم استطاعوا أن يروّجوا لهذا الاسم ، وأن