والجواب كما نفهم من مضمون الآية : أن الموت لا ينهى الزوجية بالنسبة للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأن الزوجية تنتهى فقط فى حالته إذا تزوجت أىّ من نسائه بعد وفاته. وزوجاته صلىاللهعليهوسلم كما جاء على لسان سودة : أريد أن أبعث يوم القيامة زوجة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. ولمّا خيّرهن بين أن يسرحهن إيثارا منهن للدنيا ، أو يبقيهن مع ضيق عيشه ، تفضيلا منهن لله ورسوله والدار الآخرة ، اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، ووعدهن الله الأجر العظيم ، فهن إذن على موعد معه صلىاللهعليهوسلم فى الدار الآخرة ، ولم تنقطع الزوجية بموته ، فما زالت مستمرة فى الدنيا ، وستستمر كذلك فى الآخرة. وأمّا عن عدّتهن ، فإنهن بموته عليهن العدّة ، لأن العدّة فى حالتهن عبادة وليست مدة تربص انتظارا لإباحة الزواج. وقد أبقى الرسول صلىاللهعليهوسلم لهن النفقة والسكن طالما هن أحياء ، لأنهن لا يزلن فى عصمته ، وقال : ما تركت بعد ، نفقة عيالى» ، يعنى هو نفقة لزوجاته ، وكنّى عنهن بلفظة عيالى ، وروى أهلى ، وهذان اسمان للزوجية ، وهن إذن نساؤه أو أزواجه ، ومن ثم كنّ محرّمات على غيره ، وذلك معنى أن النكاح أو الزواج بهن ما زال قائما فى حقّه وحقّهن ، والموت بالنسبة له بمنزلة مغيب الزوج عن زوجاته ، وهذا يقين فى حق النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وزوجاته بخلاف الناس جميعا ، فنحن لا نعلم إن كنا سنكون أو لا نكون مع زوجاتنا فى الآخرة ، فربما يكون أحد الزوجين فى الجنة والآخر فى النار ، فالسبب فى حقّ الخلق منقطع ، ولكنه فى حقّ النبىّ صلىاللهعليهوسلم وزوجاته باق ، وهو القائل : زوجاتى فى الدنيا هن زوجاتى فى الآخرة» ، وقال : «كل سبب ونسب ينقطع إلّا سببى ونسبى ، فإنه باق إلى يوم القيامة». وتأتى الآية (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٥٤) (الأحزاب) بعد الآية السابقة لتحسم المسألة فيمن قال ذلك ، سواء قاله علنا ، أو أسرّه فى نفسه فلم يعرف به أحد سواه ، أو أنه لم يكن هناك أصلا قائل افترى ذلك ، وإنما هو التشريع القرآنى يأتى تباعا عن زوجات النبىّ ، كأحكام وآداب تنتظم بها حياة الناس وعلاقاتهم بنبيّهم وزوجاته ، فشدّد الله على من يمكن أن يقول ذلك ، وأما من يخفيه فى نفسه ويضمره لوقته ، فالآية الأخيرة تنبّه إلى أن الله يعلم ما فى الضمائر ، وما تنطوى عليه السرائر ، وهو العليم بكل شىء : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) (١٩) (غافر).
* * *
٢٦٠. آية تحريم الزواج على النبىّ صلىاللهعليهوسلم ،
لو أن أزواجه توفين ، أما كان له أن يتزوج؟
آية التحريم هى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ