خبزا ، وكان يمر عليهم الشهر والشهران لا يطهون طعاما ، ولا يجدون إلا التمر والماء ، وكان يخصف نعله ، ويرتق جلبابه ، وينام على فراش من اللباد. وليس أصدق للداعى من أن تكون هذه هى حياته مع الدعوة ، فعهدنا بالزعماء والقادة والرؤساء والملوك والأمراء أن تعود الرئاسة عليهم بالخير والأبهة والعزّ والجاه ، وما كان فى حياة محمد صلىاللهعليهوسلم شىء من ذلك. وفى الرواية عن ابن إسحاق أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لما فتح مكة ، نظر أبو سفيان إلى جموع المسلمين وقال للعباس : يا عباس! من هؤلاء؟ قال : هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى المهاجرين والأنصار. قال : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة! والله يا أبا الفضل ، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما! قال العباس : يا أبا سفيان! إنها النبوة!» وفى الحديث أن النبى خيّر بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا ، فالتفت إلى جبريل ، فأشار إليه أن تواضع ، فقال : «بل نبيا عبدا ، أشبع يوما ، وأجوع يوما». وهذه هى النبوة إذن ، وهؤلاء هم أصحاب الرسالات حقّا! وحسبنا الله!
* * *
١٨٣. الناس لا يحاسبون إلا إذا بعثت الرسل
قالت المعتزلة : إن العقل يقبّح ويحسّن ، ويبيح ويحظر ، ولا داعى للنبوة والأنبياء ، ولكن الله يقول : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥) (الإسراء) ، وفى ذلك دليل على أن الأحكام لا تثبت إلا بالشرع. والله تعالى لا يهلك أمة إلا إذا أرسل إليهم وأنذرهم ، والذى عليه العقل أنه مع الإيمان بوجود خالق للكون ، ومع رسالة الرسل بالتوحيد ، وبثّ المعتقدات فى الناس عبر الأجيال ، ونصب الأدلة الدالة على الصانع ، ومع سلامة الفطرة وعدم فسادها ، يتوجب على كل أحد من العالمين الإيمان واتباع شريعة الله.
* * *
١٨٤. كل رسول نبىّ وليس كل نبىّ رسولا
الرسول بخلاف النبىّ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) (٥٢) (الحج) ، وعند البعض فإن الأنبياء فيهم مرسلون وفيهم غير مرسلين ، وعند غيرهم أنه لا يجوز أن يقال نبىّ حتى يكون مرسلا ، ومعنى «نبىّ» أنه الذى ينبئ عن الله ، والإنباء هو الإرسال ، غير أن الرسول : يرسل إلى الخلق عيانا بإرسال جبريل ، بينما النبىّ تكون نبوته إلهاما أو مناما ، فكل رسول نبىّ ، وليس كل نبىّ رسولا.
* * *