فضربها ، قيل فقتلها ضربا ، أى ضربها فأوجعها ، وقيل يعنى ضربها ضربا أفضى إلى الموت ، ورفع أمره إلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم فدافع عن نفسه بأنها كانت تؤذيه فى الله ورسوله ، قيل إن النبىّ حكم بأنها لمّا آذته فى دينه أبطلت دمها! ـ وهذا كذب وافتراء ، لأنه يخالف القرآن الذى جعل النفس بالنفس ، ولم يفرّق بين أن يقتل المسلم مسلما ، أو يقتل يهوديا ، طالما لم يخرجه اليهودى من داره ، ولم يقصد إلى قتله ، ولم يمنعه من دينه ، ولقد حكم النبىّ صلىاللهعليهوسلم لليهودى ضد طعمة بن أبيرق المسلم لمّا اتّهم اليهودى بسرقة لم يقم بها ، وعفا عن لبيد بن أعصم اليهودى الذى سحر له ولم يؤذه ، ولم يعرف عن ابن أم مكتوم إلا أنه من المتّقين ، وبلغ من حرصه لما نزلت الآية : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أن بكى وقال : يا ربّ! ابتليتنى فكيف أمتنع؟ فنزلت : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (النساء ٩٥) ، قال زيد بن ثابت : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أملى عليه الآية هكذا : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، ولمّا جاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها ، فقال : يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت! فأنزل الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وكان فخذه على فخذى ، فثقلت علىّ حتى خفت أن ترضّ فخذى ، ثم سرى عنه ، فأنزل الله : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) ، وعن ابن عباس أن عبد الله بن جحش ، وابن أم مكتوم ، هما اللذان قالا للرسول صلىاللهعليهوسلم : إنّا أعميان فهل لنا رخصة؟ فنزلت : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) فصار بها ابن أم مكتوم من القاعدين غير أولى الضرر ، واستثنى أن يكون المجاهدون مفضّلين عليه ، وكانت (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) من بركاته ، ومخرجا لذوى الأعذار تبيح لهم ترك الجهاد ، من العمى وغيره ، كالعرج والمرض ، فهذه أول مرة فى الديانات السماوية التى يحفل فيها بالمعوقين ، ويساوون بالمجاهدين فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم!! وفى هؤلاء المعوقين قال رسول الله أعظم إعلان فى التاريخ قاطبة : «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من سير ، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه». قالوا : وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال : نعم ، حبسهم العذر ـ يعنى المعوقين كالمجاهدين تماما لهم نفس الأجر ، وفى مثل ذلك قال الشاعر يعتذر عن المعوقين ويوجز موقف الإسلام منهم حين العجز عن الحج كغيرهم من الأسوياء :
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد |
|
سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا |
إنّا أقمنا على عذر وعن قدر |
|
ومن أقام على عذر فقد راحا |
ويروى أن ابن أم مكتوم لما نزلت آية تفضيل المجاهدين عن القاعدين بكى وصاح يدعو الله : أى ربّ! أنزل عذرى! أنزل عذرى أى ربّ! ـ فأنزل الله (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) ، قيل