ترى من خارج بطونهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء آكلو الرّبا. قال : فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت أسفل منى ، فإذا أنا برهج ودخان وأصوات ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هذه الشياطين يحومون على أعين بنى آدم ، لا يتفكرون فى ملكوت السموات والأرض ، ولو لا ذلك لرأوا العجائب.
وقال النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «لما كان ليلة أسرى بى فأصبحت بمكة ، عرفت أن الناس مكذّبى» ، فجلس حزينا ، فجاء أبو جهل فسأله ، فقال له : إنى أسرى بى الليلة». وسأله : إلى أين؟ قال : إلى بيت المقدس». قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال : «نعم» ، فرأى أن لا يكذّبه حتى لا يرجع فى كلامه ، فقال له : أرأيت إن دعوت قومك ، أتحدثهم بما حدثتنى؟ قال : «نعم» ، فدعاهم بسرعة ، وسأله أن يحدّث قومه بما حدّثه ، فقال : «إنى أسرى بى الليلة إلى بيت المقدس» ، قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال : نعم ، فكانوا بين مصفّق ، وبين واضع يده على رأسه متعجّبا للكذب! قالوا : وتستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ وفيهم من قد سافر إلى القدس ورأى المسجد ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فما زلت أنعت حتى التبس علىّ بعض النعت». قال : «فجىء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل ، فنعتّه وأنا أنظر إليه» ، فقال القوم : أما النعت فو الله لقد أصاب فيه! وأما أبو بكر فقد أتاه بعضهم وقال له : هل لك فى صاحبك؟ يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة فى ليلة واحدة! فقال أبو بكر : أو قال ذلك؟ قالوا : نعم. قال : فأنا أشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق! قالوا : فتصدّقه فى أن يأتى الشام فى ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح؟! قال : نعم ، أنا أصدّقه بأبعد من ذلك! أصدّقه بخبر السماء! فبها سمّى أبو بكر صدّيقا. وأتاه أبو بكر فقال : يا رسول الله ، أين كنت الليلة ، فقد التمستك فى منامك؟ (لأنهما كان ينامان معا فى الحرم تلك الليلة ، وثالث معهما ربما هو عمر). وقال أبو بكر : قد علمت أنك أتيت بيت المقدس الليلة؟ وقال : يا رسول الله ، إنه مسيرة شهر ، فصفه لى؟ فكأن النبىّ لمّا قال له ذلك ، قد فتح له صراط ، وكأنه ينظر إليه ، فلا يسأله عن شىء إلا أنبأه ، فقال أبو بكر : أشهد أنك لرسول الله! وقال المشركون : انظروا إلى «ابن أبى كبشة»! يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة! وقولهم «ابن أبى كبشة» استهزاء بالنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فقد كان ابن أبى كبشة هذا أحد أجداده من جهة الأمهات ، وهو أول من أدخل بدعة تأليه كوكب الشعرى ، فاعتبروا النبىّ صلىاللهعليهوسلم مثله ، أدخل بدعة تأليه الواحد الأحد ، بمنطق : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) (يوسف). ثم إن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قصّ عليهم قصة عير قريش التى رآها فى القدس ، وعلامة ذلك ضياع إحدى النوق ووجدها أحدهم ، وأن القافلة ستعود