يخلط ، والخلط فى أذهان المستشرقين من اليهود والنصارى. والقرآن مرجع من المراجع ، مثله مثل التوراة والإنجيل ، ومصداقية القرآن ليست بأقل من مصداقية التوراة والإنجيل ، فالقرآن يقول ، والتوراة والإنجيل يقولان ، فعلى الأقل لا ترجيح لأيهم طالما أن كلا منهم لا يعدو القول ، فإن قال القرآن إن أم مريم كانت زوجة للمدعو عمران أو عمرام ، فإنه مثل قول التوراة أن عمران آخر كان أبا لموسى ، فلما ذا لا يكون هناك عمرانان ، واحد لمريم ، وآخر لموسى ، ولا علاقة بينهما سوى علاقة القرابة والمشابهة فى الأسماء؟
ويخلو الإنجيل تماما من اسم أم مريم واسم أبيها ، ولا يوجد مصدر لنا عن ذلك إلا القرآن ، ويذكر القرآن أن والد مريم هو عمران ، فلما ذا الخلط بينه وبين عمران الآخر والد موسى وبينهما نحو ستمائة سنة ، وربما ألف سنة أو أكثر؟!! ولما ذا الخلط بين مريم أم المسيح ومريم الأخرى شقيقة موسى؟ وأما أن يقول القرآن مرة «امرأة عمران» (آل عمران ٣٦) عن جدّه المسيح ، ومرة «مريم بنت عمران» (آل عمران ٣٥) عن العذراء ، فهذه طريقة العرب والساميين عموما فى التعريف بالناس من باب التبجيل ، فلا ينادون بأسمائهم وإنما بألقابهم ، ونحن ننسب دائما إلى الأصول فنقول البكرى أو الهاشمى ، أو الطالبى وهكذا. وعمران الذى تنسب إليه مريم أخت موسى ، كان والد موسى وهارون ، كما أن مريم أم المسيح كانت تنحدر من دوحة عمران أو بالأصح هارون ابنه ، لأنها كانت صدّيقة وتنتمى إلى جماعته من الكهنة ، ولذا نسبها القرآن إلى هذا الأصل المبارك ، وعلى ذلك ينتفى الخلط بالكلية ويظهر جليا أن الالتباس عند المستشرقين سببه قلة درايتهم باللغة العربية وطرق التعبير بها وخاصة فى القرآن ، فوجب التنبيه لذلك.
* * *
٩٢٩. أتباع عيسى اسمهم النصارى
فى كتب العهد الجديد : أن المسيحيين دعوا لأول مرة مسيحيين فى أنطاكية (أعمال ١١ / ٢٦) نحو سنة ٤٢ أو ٤٣ م) ، واللقب كان فى أول الأمر من باب القذف والذمّ (بطرس الرسالة الأولى ٤ / ١٦) ، ومن أقوال المؤرخ تاسيتوس (المولود نحو سنة ٥٤ م) أن تابعى المسيح كانوا من سفلة الناس ، ومن العامة ، حتى أن أجريياس لمّا قال لبولس : بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا» (أعمال ٢٦ / ٢٨) ، كان يقصد أن كلامه طيب وحججه قوية ، ولكنه لا يرضى أن يكون مسيحيا فيعاب بهذا الاسم. ولا يأتى اسم المسيحى أو المسيحيين فى القرآن ، ولكن يأتى الاسم «نصرانى» ، كقوله تعالى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) (آل عمران ٦٧) ، والاسم «نصارى» فى الجمع كقوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ)