لأنه كان كأنه لم يهرم مع أنه معمّر ، فعوده أخضر دائما ، واللون الأخضر هو أجمل وأنقى الألوان ، ويوافق البصر ، لأن الأبيض يبدّد النظر ويؤلم العين ، والأسود مذموم مكروه ، والأخضر بين الأبيض والأسود ، ويجمع إليه الشعاع. وقيل : إن الخضر شرب من «عين الحياة» ، هذا النبع الصافى الذى يبقى من يشرب منه شابا للأبد ، ويعيد للشيوخ شبابهم ، ومعنى أنه سيظل أخضر أنه لن ييبس ، أى لن يشيخ. وقيل هو «عبد صالح» وليس بنبىّ ، يريد المفسرون بذلك أن ينفوا عنه النبوّة ، ويخصّوه بالولاية ، فتكون الولاية أفضل من النبوّة ، لأن موسى جاءه يتعلم ولم يصمد كتلميذ ، وقال الله تعالى فى موسى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٣٩) (طه) ، بينما قال فى الخضر : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (٦٥) (الكهف) ، فخصّ موسى بالمحبة ، وخصّ الخضر بالرحمة ، لأن من القصص فيه قد يبدو أنه قاس غليظ القلب ، إلا أن ذلك هو الظاهر منه ، فأما الباطن فهو الرحمة الخالصة ، وأما العلم فهو علم خاص ليس كعلومنا ، جاءه من لدنّ الله ـ أى من عنده مباشرة ـ ويسمى لذلك «العلم اللدنيّ» ، قيل : هو علم الغيب ، وليس من نبىّ ولا ولى إلا ويعلم الخضر الغيب عنه ، يأذن له به الله. ولو قارنا بين علم الخضر وعلم موسى ، فإن علم الخضر هو «علم الباطن» ، وعلم موسى هو «علم الأحكام». والذى يعلم البواطن هو العالم بما سيجرى فى المستقبل ، فيكون على ذلك من «أهل المستقبل» ، وعلمه هو «علم المستقبل» ، يعنى أن له طول العمر ليشهد المستقبل ، وأما علم الأحكام فهو «علم الحاضر» ، والعالم به يكفيه أن يعيش الحاضر ، ومن أجل ذلك سمى الخضر باسمه هذا : الخضر ، لأنه حىّ دائما بإذن الله.
* * *
٨٥٦. الخضر ليس اليسع
يقال ذلك ولا شىء يؤكده ، وقيل اليسع هو إلياس ، وليس كذلك لأن الله تعالى أفرد كل واحد بالذكر فقال : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) (٨٦) (الأنعام).
* * *
٨٥٧. هل الخضر نبىّ معمّر؟
قيل وهو قول الظن : الخضر نبىّ معمّر محجوب عن الأبصار. وقيل : الخضر يلتقى النبىّ إلياس كل عام ما داما حيين على الأرض. ولا يوجد نصّ على أن الخضر لم يمت ، وليس الخضر إلا بشرا من بشر ، أوتى كرامات وكلّف بمهام ، والله تعالى يقول : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ