رؤية البأس ، وأما بعدها فلا تقبل. ونجّاه الله ببدنه لا بنفسه ، ليكون للناس عبرة ويتّعظون ، قال تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (٩٢) (يونس) ، فأماته وألقى بجسده على البرّ ، وقيل إن رمسيس هو هذا الفرعون لعثورهم على موميائه ، غير أن المومياء ليس بها ما ينبئ عن واقعة غرق ، ولا يوجد بين ملوك مصر من يصدق عليه أنه مات غرقا ، وهذا دليل آخر على أن «قصة موسى والفرعون» كانت بين أغراب على مشارف أرض مصر بإقليم جاسان ، وكان أمر هؤلاء الأغراب ، سواء كانوا آشوريين أم عبرانيين ، لا يعنى المصريين.
* * *
٨٤٠. موجز قصة موسى مع الفرعون
تعدّ الآيات الثلاث : (وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ) (٤٠) (الذاريات) أو فى وأصغر إيجاز لقصة موسى مع الفرعون ، فبرغم طول القصة الشديدة إلا أن هذه الآيات لخّصتها فجاء ملخصها رائعا شاملا ، واعتبر من معجزات البيان القرآنى ، تماما كمعجزاته تعالى فى الكون. والآيات الثلاث تدعو للتأمل والتفكّر. وكانت حجة موسى البيّنة عصاه ذات السلطان ، وإنما من لم يكتب له الإيمان لم يؤمن ولو كانت الرسل إليه ملائكة ، وفرعون كان طاغية ، ومن الملعونين ، فلم يؤمن وأعرض مع كل معجزات موسى ، وانفرد بوزرائه ومستشاريه ، واجتمع بقواده ورؤساء عسكره ، واحتمى بمنعة آله ، وقال مقالته المشهورة التى يتّهم بها كل مفكر أو رسول أو مصلح عند ما تكون الحكومة التى يعارضها استبدادية : ساحر أو مجنون!! ـ يعنى أن هذا المفكر ، أو الرسول ، أو المصلح إما أنه ساحر يلعب بالعقول ويدلّس على الناس ، ويزيّف الحقائق ، وإما أنه مجنون أن يجرؤ على نقد الحكم ، أو نقض المذهب ، أو تقويض الملّة. وفرعون أجرم وجنوده ، لأنهم كانوا على الباطل ، وموسى على الحق ، فجرّ على نفسه وعليهم الوبال ، وظلم نفسه وظلمهم ، فلمّا أخذ لم يؤخذ وحده ، وقضى فيه وفيهم بالحق ، وكان ملوما كما كانوا ملومين ، واستحق أن يموتوا معا ، وألقى بهم فى اليم وكانوا من المغرقين ، وهذا ما أوجزته الآيات الثلاث خير إيجاز
* * *
٨٤١. دار الفاسقين ليست مصر
تأتى الآية : (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) (١٤٥) (الأعراف) وكأن الله تعالى يتحدث عن