الصحيح ولذا تفوّقوا على الأمم ، وبذّت حضارتهم سائر الحضارات. وأما السحر فكان اختصاص العبرانيين والأشوريين ، فهؤلاء برعوا فيه واشتهروا به ، ولكل ذلك كان يوم العيد حتما هو يوم النيروز ، وهو أول يوم من أيام السنة الشمسية ، ويحتفل به الأشوريون والفرس والسريان واليهود ، وهو يوم الفرح ، وجعله أقباط مصر من بعد ذلك أول السنة القبطية ، والناس فيه يزدحمون ويتزاحمون ، وأوفق الأزمنة للاجتماع فيه والزحام على أشده فى الضحى الأعلى بعد طلوع الشمس ، لأن أول النهار هو الضحوة وليس الضحى ، واختيار النهار فى أوله ليكون فيه متسع لو امتد الأمر بين الفريقين المتنازعين ، وحشر الناس فيه ليكون زهوق الباطل على رءوس الأشهاد ، فتقوى رغبة من يرغب فى الحق ، وتسقط دعوى المبطلين وأشياعهم ، ويكثر المحدّثون بالأمر فى البدو والحضر ، وتشيع القصة بين أهل الوبر والمدر ـ أى فى كل مكان ، ووسط كل الطبقات والتجمعات والفئات.
* * *
٨٣٦. طريقة الفرعون هى المثلى
الفرعون لفظ أجنبى وليس مصريا ، وهو الملك الربّ ، والملوك فى مصر لم يحدث أن نادوا بأنفسهم أربابا ، منذ عهد مينا حتى آخر ملك من ملوك الأسرات ، واسم رمسيس مثلا هو رع موزيس ، ورع هو اسم أحد أسماء الله عندهم ، وموزيس أو موسى هو عبد هذا الإله ، ومثله تحتمس وهو عبد الإله توت ، كقولنا الآن عبد الله ، أو عبد الحافظ ، أو عبد الصمد ، فالملك ليس إلا عبدا لله. وأما عند ملوك آشور ، فالملك هو إله ، والتعبّد يكون للملك تجسيدا للإله الكونى ، فطريقة الأشوريين هى أنهم كانوا حسيّين وماديين ، والروحانية كانت منعدمة عندهم ، على عكس المصريين. وقولنا : إن ديانة موسى صورة من ديانة أخناتون المصرى ، لأن سمة الديانتين التجريد ، والتجريد لم تعرفه آشور ، والملك الأشورى ـ أى الفرعون ـ يسخر لذلك من طريقه موسى ، ومن قبل موسى اختصم مع طريقة المصريين ، ولم يرض بعبادة أى من آلهتهم ، لأنها آلهة قائمة على أساس المفهوم والتصور التجريدى لقوى الله. وقبل موسى كان يوسف ويعقوب ، والذين آمنوا بهما قليلون من أهالى جاسان وبلاط الفراعنة الهكسوس. ولم تعجب دعوة التوحيد هؤلاء ، لأنها تلغى الاستكبار الأشورى ، والاستعلاء الآسيوى ، وهما ما عرفت به طريقة الفراعنة من حكام آشور ، وهى فى ظنهم «الطريقة المثلى» سواء فى الحياة كأسلوب ، أو فى الدين كعقيدة ، أو فى الحكم كسياسة.
* * *