فى تفسير «استخفّ قومه» أنه وجدهم خفاف العقول فاستعطبهم ، فدانوا له بالطاعة العمياء كالبهائم يسلس قيادها.
* * *
٨٣٥. لقاء التحدى بين موسى والفرعون : الزمان والمكان
هذا ما أوجزته الآيات : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (٥٩) (طه) ، وقدّمت له بأسبابه : أن موسى بذل كل ما فى وسعه وقدّم له ما زوّده به ربّه من حجج تدل عليه تعالى ، أنه الواحد والقادر والناصر والقاهر ، وكذّب فرعون ما رأته عيناه ، وأبى أن يذعن لإملاء العقل ، وأنكر عنادا مع أنه رأى الآيات عيانا لا خبرا ، كقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (النمل ١٤) ، وسمّى ما رأى سحرا ، وحدّد ما فهمه من دوافع موسى ، بأنه ليوهم الناس أن آياته هى الأعلى ، وهى الأوجب للتّصديق ، فيؤمنون لذلك بإلهه ، فيغلب موسى الفرعون على أرضه ، ويحوزها منه ويمتلكها ويطرده منها ، وذلك دليل أكيد أن موسى كان يتعامل مع ملك أجنبى غير مصرى ، وعارضه الملك بسحر كالذى جاء به موسى ، ليبيّن للناس أن ما أتى به ليس من عند الله كما يدّعى ، ولكنه من ألاعيبه ، وطلب منه موعدا أو وعدا بلقاء آخر فى موعد أقرب ومكان أوسع ، والموعد اسم لزمان ومكان الوعد ، كقوله تعالى : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) (هود ٨١) ، فلا يخلف أيهما اليوم المعلوم والمكان المعروف ، واقترح لهما ـ واقتراحه أمر ـ أن يكون المكان ـ سوى ـ أى سوى هذا المكان الذى هما فيه وهو بلاط الملك ، فيكون نصفا وعدلا بينهما ، بين أبهة هذا المكان وبين رحابته ، ليتسع لعدد أكبر من الناس. وفى اللغة «سواء الدار» وسطها ، ووسط كل شىء أعدله كقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة ١٤٣) ، أى وسطا بين الرأيين ؛ ويوم الزينة الذى حدده هو يوم عيد ، يتزيّنون فيه ويتهيئون له ، وأمثال هذه الأيام لم يعرفها المصريون ولكنها من عادات شعوب الشرق الأوسط الأخرى حول آلهتهم ، كآلهة الحصاد ، وآلهة الجمال ، وآلهة الشرب والصخب ، والمصريون ما كانت لديهم أعياد صخب واحتشاد إلا عيد وفاء النيل ، وقد جعل ذلك بعض المفسرين من العرب يقولون إن يوم لقاء موسى وهارون كان يوم وفاء النيل! أى كان فى الصيف. ووفاء النيل لم يحتفل به المصريون إلا مؤخرا ، وكان عيد عبادة وشكر ، ولا تليق فيه أعمال السحر ولم يعرف عن المصريين أنهم يهوون السحر ، أو أن لهم علم به ، فالسحر علم كاذب ، وعلم المصريين هو العلم