٨٣٠. قصة امرأة فرعون
امرأة فرعون فى الأدب الدينى الإسلامى هى آسية بنت مزاحم ، وليس من مرجع موثوق به للاسم ، وليس فى التوراة عن ذلك شىء. وفى التوراة أن التى انتشلت موسى من الماء هى ابنة فرعون وليس امرأته ، وليس من شىء فى التوراة عن أن ابنة فرعون كانت على دين بنى إسرائيل ، ولما انتشلت موسى من الماء عهدت به إلى مرضعة عبرانية كانت أمه ، وأعطتها على ذلك أجرا. وأما فى رواية القرآن فهناك دافع خلاف الشفقة هو الذى دفع امرأة فرعون إلى إنقاذ الطفل موسى. وهذا الدافع هو آصرة الدين ، فلقد كانت تعبد الله على طريقة العبرانيين ، وعبادة الله كانت أثرا من آثار تعاليم يوسف ، وكان فى بلاط الفرعون من المؤمنين من أتباع ملة يوسف ـ غير آسية ـ مؤمن آل فرعون. وفرعون ـ كما قلنا ـ لم يكن مصريّا لا اسما ولا جنسا ، والناس فى جاسان أغلبهم عبرانيون ، والحكام آشوريون ، وعند ما أمرت آسية بسوق التابوت الذى به الطفل موسى إليها قبل أن يبعده البحر ، فتحته فرأت الطفل عبرانى السمت ، فعلمت أنه عبرانى مثلها ، وانفتح له قلبها ، ورحمته ، وأحبته ، وقالت لفرعون : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) (القصص ٩) ، تدعو الله أن تكون لها وله فيه بركة ، فقد كانا لا ينجبان ، ربما لعيب فيه غالبا ، فاستوهبته الطفل فوهبه لها. وفى الآية : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١١) (التحريم) يتأكد إيمان آسية حتى ليضرب بها المثل كمؤمنة ، ويتأكد كذلك أنها عبرانية ، وليس ذلك بكثير أن يتزوج الفرعون الهكسوسى بالعبرانية ، فكلاهما من الأغيار وليسا مصريين ، ومن سكان جاسان ، وديانة الفرعون كانت وثنية ، وديانة آسية هى التوحيد على طريقة الآباء : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق والأسباط ، وكانت تصلى بطريقتها طريقة الآباء ، والفرعون لا يصلى ، ولأنهم وثنيون لم يترك الهكسوس فى مصر آثارا تذكر فى مجال الدين ، على عكس العبرانيين فقد آمن بديانة يوسف كثيرون ، وكان الخلاف العقدى عند آسية والفرعون ، بالإضافة إلى عدم الإنجاب ، مثار جدل دائم بينهما ونزاعات مستمرة ، فكان الفرعون يكاد يبطش بها ويعذّبها ، فسألت ربّها حسن الأجر لصبرها ، ودعت أن يخلّصها منه ، وأن ينجّيها من عمله ، فقد كان يفعل الظلم هو وقومه ، ولم تعرف مصر أذى كالأذى الذى لحقها من الملوك الفراعنة من الهكسوس ، وكان اسمهم الفراعنة بمعنى الملوك الجبابرة. وقصة امرأة فرعون مثل ضربه الله للمؤمنات من النساء ، كما ضرب المثل للكافرات منهن بامرأة نوح وامرأة لوط (التحريم ١٠). وفى قصة هذه المؤمنة