(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) أي : فمن كان منكم ـ معشر المحرمين ـ مريضا مرضا يتضرر معه بالشّعر ويحوجه إلى الحلق ، أو كان به أذى من رأسه ـ كجراحة وقمل ـ فعليه ، إن حلق ، فدية من صيام أو صدقة أو نسك. وقد نزلت هذه الآية في كعب بن عجرة الأنصاريّ رضي الله عنه قال (١) : حملت إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال ما كنت أرى أنّ الجهد قد بلغ بك هذا ..! أما تجد شاة؟ قلت : لا! قال : صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك. فنزلت فيّ خاصة وهي لكم عامّة ، رواه الشيخان وغيرهما. واللفظ للبخاريّ. وروى الإمام أحمد (٢) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة قال : كنّا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالحديبية ونحن محرمون ، وقد حصرنا المشركون ، وكانت لي وفرة ، فجعلت الهوامّ تساقط على وجهي ، فمرّ عليّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : أيؤذيك هوامّ رأسك؟ قلت : نعم. فأمره أن يحلق. قال : ونزلت هذه الآية. قال ابن عباس : إذا كان (أو أو) فأيّة أخذت أجزأ عنك! وعامة العلماء : إنه يخيّر في هذا المقام إن شاء صام وإن شاء تصدّق بفرق ـ وهو ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع وهو مدّان ـ وإن شاء ذبح شاة وتصدّق بها على الفقراء ، أيّ ذلك فعل أجزأه. ولمّا كان لفظ القرآن في بيان الرخصة ، جاء بالأسهل فالأسهل. ولمّا أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم كعب بن عجرة بذلك أرشده أولا إلى الأفضل فقال : أما تجد شاة؟ فكلّ حسن في مقامه ، ولله الحمد والمنّة ـ أفاده ابن كثير.
تنبيه :
استفيد من الآية أحكام :
الأول : جواز الحلق من المحرم ، واللبس للمخيط للضرورة ، ووجوب الفدية عليه ، وذلك لبيان سبب النزول.
الثاني : تحريم الحلق ولبس المخيط لغير عذر ، وهذا مأخوذ من المفهوم لأنه مصرّح به ، وذلك إجماع.
الثالث : أنّ الفدية الواجبة تكون من أجناس الثلاثة وهي : الصيام ، أو الصدقة ،
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : التفسير ، ٢ ـ سورة البقرة ، ٣٢ ـ باب (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) ، حديث ٩٢١.
ومسلم في : الحج ، حديث ٨٥ (طبعتنا).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤ / ٢٤١.