الله سبحانه بقتل من قاتل في الحرم فقال (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ). والفرق بين اللاجئ والمتهتك فيه من وجوه :
أحدها : أن الجاني فيه هاتك لحرمته بإقدامه على الجناية فيه ، بخلاف من جنى خارجه ثم لجأ إليه فإنه معظّم لحرمته مستشعر بها بالتجائه إليه ، فقياس أحدهما على الآخر باطل.
الثاني : أن الجاني فيه بمنزلة المفسد الجاني على بساط الملك في داره وحرمه ، ومن جنى خارجه ثم لجأ إليه فإنه بمنزلة من جنى خارج بساط الملك وحرمه ثم دخل إلى حرمه مستجيرا.
الثالث : أن الجاني في الحرم قد هتك حرمة الله سبحانه وحرمة بيته وحرمه فهو هاتك لحرمتين بخلاف غيره.
الرابع : أنه لو لم يقم الحد على الجناة في الحرم لعم الفساد وعظم الشر في حرم الله ، فإن أهل الحرم كغيرهم في الحاجة إلى نفوسهم وأموالهم وأعراضهم ، ولو لم يشرع الحد في حق من ارتكب الجرائم في الحرم لتعطلت حدود الله وعم الضرر للحرم وأهله.
والخامس : أن اللاجئ إلى الحرم بمنزلة التائب المتنصل اللاجئ إلى بيت الرب تعالى المتعلق بأستاره ، فلا يناسب حاله ولا حال بيته وحرمه أن يهاج ، بخلاف المقدم على انتهاك حرمته.
فظهر سر الفرق ، وتبين أن ما قاله ابن عباس هو محض الفقه. وأما قولكم إنه حيوان مفسد فأبيح قتله في الحل والحرم كالكلب العقور فلا يصح القياس ، فإن الكلب العقور طبعه الأذى ، فلم يحرمه الحرم ليدفع أذاه عن أهله. وأما الآدميّ فالأصل فيه الحرمة وحرمته عظيمة ، فإنما أبيح لعارض فأشبه الصائل من الحيوانات المباحة من المأكولات ، فإن الحرم يعصمها ، وأيضا فإن حاجة أهل الحرم إلى قتل الكلب العقور والحية والحدأة كحاجة أهل الحل سواء ، فلو أعاذها الحرم لعظم عليهم الضرر بها ـ انتهى. (من الجزء الثاني من صفحة ١٧٧ إلى صفحة ١٨٠].
ولما ذكر تعالى فضائل البيت ومناقبه أردفه بذكر إيجاب الحج فقال (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) اللام في البيت للعهد. وحجه : قصده