ثم لجأ إلى الحرم لم يطلب. وعن عمر رضي الله عنه : لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسسته حتى خرج عنه.
تنبيه :
ما أفادته الآية من إثبات الأمان لداخله إنما هو بتحريمه الشرعيّ الذي وردت به الآيات ، وأوضحته الأحاديث والآثار. ففي الصحيحين (١) ، واللفظ لمسلم ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكة : لا هجرة ، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا. وقال يوم فتح مكة (٢) : إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته ، إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها. فقال العباس : يا رسول الله إلّا الإذخر ، فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال : إلّا الإذخر. ولهما عن أبي هريرة مثله أو نحوه ؛ ولهما (٣) ، واللفظ لمسلم أيضا ، عن أبي شريح العدويّ أنه قال لعمرو بن سعيد ، وهو يبعث البعوث إلى مكة ، ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولا قام به رسول الله صلىاللهعليهوسلم الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ، ووعاه قلبي ، وأبصرته عيناي ، حين تكلم به ، إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن مكة حرمها الله ، ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما أو يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها فقولوا له : إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب. فقيل لأبي شريح : ما قال لك؟ قال : أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح. إن الحرم لا يعيذ عاصيا ، ولا فارّا بدم ، ولا فارّا بخربة.
قال الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) : قوله فلا يحل لأحد أن يسفك بها دما ، هذا التحريم لسفك الدم المختص بها ، وهو الذي يباح في غيرها ، ويحرم فيها ، لكونها حرما ، كما أن تحريم عضد الشجرة بها واختلاء خلائها والتقاط لقطتها ، هو أمر مختص بها ، وهو مباح في غيرها ، إذ الجميع في كلام واحد ، ونظام واحد ، وإلا
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الجهاد ، ٢٧ ـ باب وجود النفير ، حديث ٧١٠.
ومسلم في : الحج ، حديث ٤٤٥.
(٢) أخرجه البخاريّ في : جزاء الصيد ، ١٠ ـ باب لا يحل القتال بمكة ، حديث ٧١٠.
ومسلم في : الحج ، حديث ٤٤٥.
(٣) أخرجه البخاريّ في : العلم ، ٣٧ ـ باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب ، حديث ٨٩.
ومسلم في : الحج ، حديث ٤٤٦.