البيت. قال ابن كثير : وقد كان ملتصقا بجدار البيت حتى أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته إلى ناحية الشرق ، بحيث يتمكن الطّوّاف منه ، ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف ، لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده ، حيث قال : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة : ١٢٥] ، وتقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة. قال المفسرين : ثمرة الآية الترغيب في زيارة البعض الحرم وفعل الطاعات فيه ، لأنه تعالى وصفه بالبركة والهدى وجعل فيه آيات بينات.
لطيفة :
مقام إبراهيم مبتدأ حذف خبره ، أي منها مقام إبراهيم ، أو بدل من آيات ، بدل البعض من الكل ، أو عطف بيان ، إما وحده باعتبار كونه بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله تعالى وعلى نبوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، كقوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً) أو باعتبار اشتماله على آيات كثيرة. قالوا : فإن كل واحد من أثر قدميه في صخرة صماء ، وغوصه فيها إلى الكعبين وإلانة بعض الصخور دون بعض ، وإبقاءه دون سائر آيات الأنبياء عليهمالسلام ، وحفظه ، مع كثرة الأعداء ، ألوف سنة ، آية مستقلة. ويؤيده قراءة (آية بينة) على التوحيد ، وإما بما يفهم من قوله عزوجل :
(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) فإنه وإن كان جملة مستأنفة ابتدائية أو شرطية ، لكنها في قوة أن يقال (وأمن من دخله) فتكون ، بحسب المعنى والمآل ، معطوفة على مقام إبراهيم ، ولا يخفى أن الاثنين نوع من الجمع فيكتفى بذلك ، أو يحمل على أنه ذكر من تلك الآيات اثنتان وطوى ذكر ما عداهما دلالة على كثرتها ـ أفاده أبو السعود. قال المهايميّ : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) رمي الطير أصحاب الفيل بحجارة من سجيل ، وتعجيل عقوبة من عتا فيه ، وإجابة دعاء من دعا تحت ميزابه ، وإذعان النفوس لتوقيره من غير زاجر ، ومن أعظمها. النازل منزلة الكل ، مقام إبراهيم ، الحجر الذي قام عليه عند رفعه قواعد البيت ، كلما علا الجدار ارتفع الحجر في الهواء ، ثم لين ، فغرقت فيه قدماه ، كأنهما في طين ، فبقي أثره إلى يوم القيامة. ومن آياته أن من دخله كان آمنا من نهب العرب وقتالهم ، وقد أمن صيده وأشجاره. قال أبو السعود : ومعنى أمن داخله أمنه من التعرض له كما في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت : ٦٧] ، وذلك بدعوة إبراهيم عليهالسلام : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : ٣٥] ، وكان الرجل لو جرّ كل جريرة