المصدقين بألسنتهم وهم صنفان ، صنف صدّق واتبع رسول الله فيما جاء به ، وصنف ما وجد منه الا التصديق فحسب. ثم اما أن يكونوا منافقين أو فاسقين ، والمنافق والفاسق لا يخفض لهما الجناح.
والمعنى : من المؤمنين من عشيرتك وغيرهم. يعني : أنذر قومك ، فان اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك ، وان عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك بالله وغيره ، وتوكل على الله يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم!.
وقد يقول قائل آخر : لما ذا قال القرآن في سورة الحجر : «وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ» وقال في سورة الشعراء : «وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» ، فزاد فيها قوله «لِمَنِ اتَّبَعَكَ»؟.
والجواب أنه زاد ذلك في آيات الشعراء لانه قد قال أولا : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ». فلو لم يذكر هذه الزيادة : «لِمَنِ اتَّبَعَكَ» لكان الظاهر ان اللام في كلمة «للمؤمنين» للمعهود المذكور أولا وهو العشيرة ، فيصير الامر بخفض الجناح مقصورا على الاقربين من عشيرته ، فجاء قوله : «لِمَنِ اتَّبَعَكَ» ليعلم أن خفض الجناح مطلوب منه مع جميع اتباعه المؤمنين.
هذا ومما يقوي دلالة «خفض الجناح» على الرفق واللين والرحمة أن مادة «الجناح» لم تستعمل في لغة القرآن الا في مواطن تدل على اللين والأمن والرحمة والتكريم.
فلننظر :
يقول القرآن في سورة طه :
«وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ