فليس بين
الخبرين تعارض. لأن هذا توقف فهم معنى الآية عليه ، بخلاف الأول. فإذا كان الأمر
هكذا فاللازم الاعتناء بفهم معنى الخطاب ، لأنه المقصود والمراد. وعليه ينبني
الخطاب ابتداء. وكثيرا ما يغفل هذا النظر بالنسبة للكتاب والسنة ، فتلتمس غرائبه
ومعانيه على غير الوجه الذي ينبغي ، فتستبهم على الملتمس ، وتستعجم على من لم يفهم
مقاصد العرب ، فيكون عمله في غير معمل ، ومشيه على غير طريق. والله الواقي برحمته.
فصل
في أن بيان الصحابة حجة إذا أجمعوا
قال الشاطبيّ
في الموافقات : بيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيان صحيح لا إشكال في صحته. لأنه لذلك بعث. قال تعالى :
(وَأَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، ولا خلاف فيه. وأما بيان الصحابة ، فإن أجمعوا على ما بينوه
، فلا إشكال في صحته أيضا. كما أجمعوا على الغسل من التقاء الختانين المبيّن لقوله
تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة : ٦] ، وإن لم يجمعوا عليه ، فهل يكون بيانهم حجة أم لا؟ هذا فيه
نظر وتفصيل ، ولكنهم يترجح الاعتماد عليهم في البيان من وجهين :
أحدهما :
معرفتهم باللسان العربيّ ، فإنهم عرب فصحاء ، لم تتغير ألسنتهم ، ولم تنزل عن
رتبتها العليا فصاحتهم ، فهم أعرف في فهم الكتاب والسنة من غيرهم ، فإذا جاء عنهم
قول أو عمل واقع موقع البيان ، صح اعتماده من هذه الجهة.
والثاني :
مباشرتهم للوقائع والنوازل ، وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة ، فهم أقعد في فهم
القرائن الحالية ، وأعرف بأسباب التنزيل ، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك.
والشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات ، أو تخصيص بعض
العمومات ، فالعمل عليه صواب.
هذا ، إن لم
ينقل عن أحد منهم خلاف في المسألة. فإن خالف بعضهم ، فالمسألة اجتهادية. مثاله
قوله عليهالسلام : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ،
__________________