المصارف ، والثاني لبيان وجوب الأداء. وقد أبعد من حمل الزكاة ـ هنا ـ على زكاة النفس وتخليصها من الأخلاق الدنيئة الرذيلة ، كقوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) وقوله (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) ، ووجه العبد : أن الزكاة المقرونة بالصلاة في التنزيل لا يراد بها إلا زكاة المال ، وأما مع الانفراد فعلى حسب المقام (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) عطف على من آمن ، فإنه في قوة أن يقال : ومن أوفوا بعهدهم. وإيثار صيغة الفاعل للدلالة على وجوب استمرار الوفاء.
قال الرازيّ : اعلم أن هذا العهد إمّا أن يكون بين العبد وبين الله ، أو بينه وبين رسول الله أو بينه وبين سائر الناس. فالأول : ما يلزمه بالنذور والأيمان. والثاني : فهو ما عاهد الرسول عليه عند البيعة : من القيام بالنصرة ، والمظاهرة وموالاة من والاه ، ومعاداة من عاداه. والثالث : قد يكون من الواجبات : مثل ما يلزمه في عقود المعاوضات من التسليم والتسلم. وكذا الشرائط التي يلتزمها في السلم والرهن. وقد يكون من المندوبات : مثل الوفاء بالمواعيد في بذل المال والإخلاص في المناصرة. فالآية تتناول كلّ هذه الأقسام.
قال ابن كثير : وعكس هذه الصفة النفاق. كما صحّ في الحديث (١) : آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان. وفي رواية : إذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر. (وَالصَّابِرِينَ) نصب على الاختصاص. غيّر سبكه عما قبله تنبيها على فضيلة الصبر ومزيّته. وهو في الحقيقة معطوف على ما قبله. قال أبو عليّ : إذا ذكرت صفات للمدح أو للذم فخولف في بعضها الإعراب ، فقد خولف للافتنان. ويسمى ذلك قطعا. لأن تغيير المألوف يدلّ على زيادة ترغيب في استماع المذكور ، ومزيد اهتمام بشأنه! وقد قرئ (والصابرون) كما قرئ (والموفين).
قال الراغب : لما كان الصبر : من وجه مبدأ للفضائل ، ومن وجه جامعا للفضائل ، إذ لا فضيلة إلّا وللصبر فيها أثر بليغ ، غيّر إعرابه تنبيها على هذا المقصد ..!
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الإيمان ، ٢٤ ـ باب علامة المنافق ونصه : عن أبي هريرة : عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب وإذ وعد أخلف وإذا ائتمن خان». وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خصلة منهم كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر».