عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة. ولا تجحدوا هذه النعمة ، ويقال : النعمة ، في الحقيقة. هي العلم. وما سواه فهو تحول من راحة إلى راحة. وليس بنعمة. والعلم لا يملّ منه صاحبه. بل يطلب منه الزيادة. فأمر الله تعالى بشكر هذه النعمة ، وهي نعمة بعثه رسولا يعلمهم الكتاب والحكمة. كما قصه الحراليّ. ولما كان للعرب ولع بالذكر لآبائهم ولوقائعهم ، جعل ، تعالى ذكره ، لهم عوض ما كانوا يذكرون. كما جعل كتابه عوضا من أشعارهم. وهزّ عزائمهم لذلك بما يسرهم به من ذكره لهم.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) «يقول الله عزوجل : أنا مع عبدي حين يذكرني. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم. وإن اقترب إليّ شبرا اقتربت إليه ذراعا. وإن اقترب إليّ ذراعا اقتربت إليه باعا. فإن أتاني يمشي أتيته هرولة. صحيح الإسناد أخرجه (٢) البخاريّ أيضا.
وروى مسلم (٣) عن أبي سعيد الخدريّ وأبي هريرة : أنهما شهدا على النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : لا يقعد قوم يذكرون الله عزوجل إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده.
والآثار في فضل الذكر متوافرة ، ويكفي فيه هذه الآية الكريمة.
(تنبيه) قال النوويّ رحمهالله تعالى : اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوهما. بل كل عامل لله تعالى بطاعة ، فهو ذاكر لله تعالى.
كذا قاله سعيد بن جبير رضي الله عنه ، وغيره من العلماء. وقال عطاء رحمهالله : مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام. كيف تشتري وتبيع. وتصلى وتصوم ، وتنكح وتطلّق. وأشباه هذا. وقال النوويّ أيضا : إن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها. واجبة كانت أو مستحبة ، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ، لا عارض. وقد صنف ، في عمل اليوم والليلة ، جماعة من الأئمة كتبا نفيسة. ومن أجمعها للمتأخرين (كتاب
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل ، ٢ / ٢٥١ ورقم ٧٤١٦.
(٢) أخرجه البخاريّ في : التوحيد ، ١٥ ـ باب قول الله تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ، حديث رقم ٢٥٩٩.
(٣) أخرجه مسلم في : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، حديث ٣٩.