أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً ، أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ٧٩ ـ ٨٠].
ومن ذلك أن المؤمنين توسطوا في المسيح ، فلم يقولوا : هو الله ، ولا ابن الله ، ولا ثالث ثلاثة. كما تقوله النصارى. ولا كفروا به ، وقالوا على مريم بهتانا عظيما ، حتى جعلوه ، ولد غيّة ، كما زعمت اليهود. بل قالوا : هذا عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ، وروح منه. وكذلك المؤمنون وسط في شرائع دين الله ، فلم يحرّموا على الله أن ينسخ ما شاء ، ويمحو ما شاء ويثبت. كما قالته اليهود. كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة : ١٤٢] ، وبقوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] ، ولا جوّزوا لأكابر علمائهم وعبّادهم أن يغيروا دين الله ، فيأمروا بما شاءوا وينهوا عما شاؤوا. كما يفعله النصارى. كما ذكر الله عنهم بقوله (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) [التوبة : ٣١].
قال عديّ بن حاتم رضي الله عنه (١) : قلت : يا رسول الله ما عبدوهم؟ قال : ما عبدوهم ، ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم ، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم. والمؤمنون قالوا : لله الخلق والأمر. فكما لا يخلق غيره ، لا يأمر غيره. وقالوا : سمعنا وأطعنا ، فأطاعوا كل ما أمر الله به. وقالوا : إن الله يحكم ما يريد. وأما المخلوق ، فليس له أن يبدل أمر الخالق تعالى ، ولو كان عظيما. وكذلك في صفات الله تعالى ، فإن اليهود وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق الناقصة ، فقالوا : هو فقير (وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١]. (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤]. وقالوا : إنه تعب من الخلق فاستراح يوم السبت. إلى غير ذلك. والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به. فقالوا : إنه يخلق ويرزق ويرحم ويتوب على الخلق ، ويثيب ويعاقب. والمؤمنون آمنوا بالله سبحانه وتعالى. ليس له سميّ ولا ندّ. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤] ، و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، فإنه.
__________________
(١) أخرج الترمذيّ في : التفسير ، ٩ ـ سورة التوبة ، حدثنا الحسين بن مرثد. عن عديّ بن حاتم قال : أتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم وفي عنقي صليب من ذهب. فقال «يا عديّ ، اطرح عنك هذا الوثن» وسمعته يقرأ في سورة براءة : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ). قال «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم. ولكنهم كانوا إذا أحلوا شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه».