تنبيهات :
(الأول). أستدل بالآية على أن الإجماع حجة. لأن الله تعالى وصف هذه الأمة بالعدالة. والعدل هو المستحق للشهادة وقبولها. فإذا اجتمعوا على شيء وشهدوا به لزم قبوله ، فإجماع الأمة حق. لا تجتمع الأمة. والحمد لله ، على ضلالة. كما وصفها الله بذلك في الكتاب فقال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران : ١١٠] ، وهذا وصف لهم بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر. كما وصف نبيهم صلىاللهعليهوسلم بذلك في قوله (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) [الأعراف : ١٥٧] ، وبذلك وصف المؤمنين في قوله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة : ٧١] ، فلو قالت الأمة في الدين بما هو ضلال ، لكانت لم تأمر بالمعروف في ذلك ، ولم تنه عن المنكر فيه. وقد جعلهم الله شهداء على الناس. وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول. وقد ثبت في الصحيح (١) عن عبد العزيز بن صهيب قال : سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول : مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «وجبت» ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال «وجبت».
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما وجبت؟ قال : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض. وعند الحاكم أنه قرأ هذه الآية : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ ...) إلى آخرها.
فإذا كان الرب قد جعلهم شهداء ، لم يشهدوا بباطل. فإذا شهدوا أن الله أمر بشيء ، فقد أمر به. وإذا شهدوا أن الله نهى عن شيء فقد نهى عنه. ولو كانوا يشهدون بباطل أو خطأ لم يكونوا شهداء الله في الأرض. بل زكاهم الله في شهادتهم ، كما زكى الأنبياء فيما يبلغون عنه أنهم لا يقولون عليه إلا الحق ، وكذلك الأمة لا تشهد على الله إلا الحق. هذه نبذة من كلام الإمام ابن تيمية ، عليه الرحمة ، في الإجماع ، من بعض رسائله.
(الثاني) مما يتعلق أيضا بهذا المقام ، ما قاله أيضا هذا الإمام في رسالته إلى جماعة عديّ بن مسافر. ونصه : فعصم الله هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة ، وجعل
__________________
(١) أخرجه البخاريّ : في الجنائز ، ٨٦ ـ باب ثناء الناس على الميت.