منهم ما يردّ ضرره عليهم. فهو وعيد لهم ، أو وعد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. أي يسمع ما تدعو به ، ويعلم نيتك وما تريده من إظهار دين الحق. وهو مستجيب لك وموصلك إلى مرادك.
القول في تأويل قوله تعالى :
(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ)(١٣٨)
(صِبْغَةَ اللهِ) مصدر مؤكد منتصب عن قوله (آمَنَّا بِاللهِ) كذا قاله سيبويه. فهو بمثابة فعله. كأنه قيل صبغنا الله صبغة. أي صبغ قلوبنا بالهداية والبيان صبغة كاملة لا ترتفع بماء الشبه ، ولا تغلب صبغة غيره عليها. والصبغة كالصبغ (بالكسر فيهما لغة) ما يصبغ به وتلون به الثياب. ووصف الإيمان بذلك لكونه تطهيرا للمؤمنين من أوضار الكفر ، وحلية تزيّنهم بآثاره الجميلة ، ومتداخلا في قلوبهم. كما أن شأن الصبغ بالنسبة إلى الثوب كذلك. ويقال : صبغ يده بالماء غمسها فيه. وأنشد ثعلب :
دع الشر وانزل بالنجاة تحرزا |
|
إذا أنت لم يصبغك في الشر صابغ |
وقال الراغب : الصبغة إشارة من الله عزوجل إلى ما أوجده في الناس من بداية العقول التي ميزنا بها من البهائم ، ووشحنا بها لمعرفته ومعرفة حسن العدالة وطلب الحق ، وهو المشار إليه بالفطرة في قوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم : ٣٠] الآية ، والمعنى بقوله عليهالسلام : كل مولود يولد على الفطرة (١) ... الخبر. وتسمية ذلك بالصبغة من حيث إن قوى الإنسان التي ركب عليها ، إذا اعتبرت بذاته ، تجري مجرى الصبغة التي هي زينة المصبوغ. ولما كانت اليهود والنصارى ، إذا لقنوا أولادهم اليهودية والنصرانية ، يقولون : قد صبغناه ـ بيّن تعالى أن الإيمان بمثل ما آمنتم به هو صبغة الله وفطرته التي ركزها في الخلق. ولا أحد أحسن صبغة منه.
(ثم قال) وقول الحسن وقتادة ومجاهد : إن الصبغة هي الدين ، وقول غيرهم : إنها الشريعة ، وقول من قال : هو الختان ـ إشارة إلى مغزى واحد. (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) الاستفهام للإنكار والنفي. أي لا صبغة أحسن من صبغته تعالى. لأنها صبغة.
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الجنائز ، ٩٣ ـ باب ما قيل في أولاد المشركين. ونصه : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة. فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه. كمثل البهيمة تنتج البهيمة. هل ترى فيها جدعاء؟».