الصحيحين عن البراء ، رفعه «الخالة بمنزلة الأم» (١) ، وروى ابن سعد عن محمد بن عليّ مرسلا «الخالة والدة».
(إِلهاً واحِداً) بدل من إله آبائك ، كقوله تعالى : (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) [العلق : ١٥ ـ ١٦] أو على الاختصاص ، أي نريد بإله آبائك إلها واحدا ، وفي ذلك تحقيق للبراءة من الشرك ، للتصريح بالتوحيد ، ثم أخبروا بعد توحيدهم بإخلاصهم في عبادتهم ، بقولهم (وَنَحْنُ لَهُ) أي وحده لا لأب ولا غيره (مُسْلِمُونَ) أي مطيعون خاضعون ، كما قال تعالى (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [آل عمران : ٨٣] والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة ، وإن تنوّعت شرائعهم ، واختلفت مناهجهم ، كما قال تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء : ٢٥] والآيات في هذا كثيرة ، والأحاديث. منها قوله صلىاللهعليهوسلم «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ، ديننا واحد» (٢) وقد اشتمل نبأ وصية إبراهيم ويعقوب عليهماالسلام لبنيهما على دقائق مرغبة في الدين. منها أنه تعالى لم يقل «وأمر إبراهيم بنيه» بل قال «وصاهم» ، ولفظ الوصية أوكد من الأمر ، لأن الوصية عند الخوف من الموت ، وفي ذلك الوقت يكون احتياط الإنسان لدينه أشد وأتم ، فدل على الاهتمام بالوصي به ، والتمسك به. ومنها تخصيص بنيهما بذلك ، وذلك لأن شفقة الرجل على أبنائه أكثر من شفقته على غيرهم ، فلما خصّاهم بذلك في آخر عمرهما علمنا أن اهتمامهما بذلك كان أشد من اهتمامهما بغيره. ومنها أنهما ، عليهماالسلام ، ما مزجا بهذه الوصية وصية أخرى. وهذا يدل على شدة الاهتمام أيضا. إلى دقائق أخرى أشار إليها الفخر ، عليه الرحمة.
__________________
(١) أخرج البخاري في الصلح ، ٦ ـ باب كيف يكتب : هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان. فخرج النبيّ صلىاللهعليهوسلم (من مكة) فتبعتهم ابنة حمزة : يا عم! يا عم! فتناولها علي فأخذ بيدها. وقال لفاطمة عليهاالسلام : دونك ابنة عمك ، احمليها. فاختصم فيها علي وزيد وجعفر. فقال علي : أنا أحق بها وهي ابنة عمي. وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي. وقال زيد : ابنة أخي. فقضى بها النبي صلىاللهعليهوسلم لخالتها ، وقال «الخالة بمنزلة الأم» ...
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء ، ٤٨ ـ باب (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ) ونصه : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء أخوة لعلّات. أمهاتهم شتى ودينهم واحد». وأخرجه مسلم في الفضائل ، حديث رقم ١٤٣ و ١٤٤ و ١٤٥.