الأولى للنفي ، والثانية مزيدة لتوكيد الأولى. لأن المعنى : لا ذلول تثير وتسقي ، على أن الفعلين صفتان لذلول ، كأنه قيل : لا ذلول مثيرة وساقية ، والمقصود : إنها مكرمة ليست مذللة بالحراثة ، ولا معدة للسقي في السانية. (مُسَلَّمَةٌ) ، سلمها الله من العيوب ، أو معفاة من العلم ، سلمها أهلها منه ، أو مخلصة اللون لم يشب صفرتها شيء من الألوان. من : سلم له كذا ، إذا خلص له (لا شِيَةَ فِيها) ، أي لا لون فيها يخالف لون جلدها من بياض وسواد وحمرة ، فهي صفراء كلها ، وهي في الأصل مصدر : وشاه وشيا وشية ، إذا خلط بلونه لونا آخر. في الصحاح : الشية : كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره. والهاء عوض من الواو الذاهبة من أوله. والجمع : شيات. يقال : ثور أشيه ، كما يقال : فرس أبلق. (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) أي بحقيقة وصف البقرة بحيث ميزتها عن جميع ما عداها ، ولم يبق لنا في شأنها اشتباه أصلا. بخلاف المرتين الأوليين ، فإن ما جئت به فيهما لم يكن في التعيين بهذه المرتبة (فَذَبَحُوها) ، الفاء فصيحة ، كما في (فَانْفَجَرَتْ) ، أي فحصلوا البقرة فذبحوها (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) كاد من أفعال المقاربة ، وضع لدنوّ الخبر من الحصول ، والجملة حال من ضمير ذبحوا ، أي فذبحوها والحال أنهم كانوا قبل ذلك بمعزل منه. اعتراض تذييليّ. ومآله استثقال استقصائهم واستبطاء لهم ، وأنهم لفرط تطويلهم وكثرة مراجعاتهم ما كاد ينتهي خيط إسهابهم فيها.
(تنبيه) قال الراغب : قال بعض الناس : في هذه الآية دلالة على نسخ الشيء قبل فعله. فإن في الأول أمروا بذبح بقرة غير معينة ، وكان لهم أن يذبحوا أي بقرة شاؤوا. وفي الثاني والثالث أمروا بذبح بقرة مخصوصة. فكأنهم نهوا عما كانوا أمروا به من قبل. وليس كذلك ، فإن الأول أمر مطلق ، والثاني والثالث كالبيان له ، لمّا راجعوا ، ولم يسقط عنهم ذبح البقرة. بل زيد في أوصافها وكشف عن المراد بالأمر الأول. وفي الآية دلالة على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)(٧٢)
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) أي اختلفتم واختصمتم في شأنها ، إذ كل واحد من الخصماء يدافع الآخر (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) مظهر ، لا محالة ، ما كتمتم من أمر القتيل ، لا يتركه مكتوما.