الملحدة المبتدعين. والكتاب والسنة يرد هذا القول. وقد استوفى الكلام فيها في «مفتاح دار السعادة» وكتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح».
الفائدة الثانية : اتفق الناس أن الشيطان كان متوليا إغواء آدم. واختلف في الكيفية. فقال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء : أغواهما مشافهة ، ودليل ذلك قوله : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] ، وقوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [الأعراف : ٢٠] ، ومقاسمته لهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف : ٢١]. والمقاسمة ظاهرها المشافهة ، ومنهم من قال : كان ذلك بالوسوسة ، كما قال : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) [الأعراف : ٢٠] ، فإغواؤه إغراؤه بوسواسه وسلطانه الذي جعل له ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» (١).
وزعموا أن الشيطان لم يدخل الجنة إلى آدم بعد ما أخرج منها. والوسوسة ، لغة ، حديث النفس والأفكار. وحديث الشيطان بما لا نفع فيه ولا خير ، والكلام الخفيّ. وظاهر الآيات يؤيد القول الأول.
الفائدة الثالثة : لم يسمّ الشيطان في الآية ، إذ لا حاجة ماسة إلى اسمه ، كما تقدم في الشجرة.
ولما قدم الله تعالى دعوة الناس عموما ، وذكر مبدأهم ـ دعا بني إسرائيل خصوصا ، وهم اليهود ، لأنهم كانوا أولى الناس بالإيمان بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، لأنهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، وقد جرى الكلام معهم (من هنا إلى الآية رقم ١٤٢) فتارة دعاهم بالملاطفة ، وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم. وتارة بالتخويف ، وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أعمالهم ، وذكر عقوباتهم التي عاقبهم بها ، كما سيأتي تفصيله ، فقال تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(٤٠)
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي أولاد يعقوب. وقد هيجهم تعالى بذكر أبيهم إسرائيل ،
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الأحكام ، باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء أو قبل ذلك الخصم. ونصه : عن عليّ بن الحسين أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتته صفية بنت حييّ. فلما رجعت انطلق معها. فمر به رجلان من الأنصار فدعاهما فقال : «إنما هي صفية» قالا : سبحان الله. قال : «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم».