أشير إليه هناك ، كأنه قيل : ألم أقل لكم إني أعلم فيه من دواعي الخلافة ما لا تعلمونه فيه ، هو هذا الذي عاينتموه. وفي الآية تعريض بمعاتبتهم على ترك الأولى ، وهو أن يتوقفوا مترصدين لأن يبين لهم (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) عطف على جملة (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) لا على (أَعْلَمُ) ، إذ هو غير داخل تحت القول. أي ما تظهرونه بألسنتكم ، وما كنتم تخفون في أنفسكم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ
مِنَ الْكافِرِينَ)(٣٤)
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) لما أنبأهم بأسماء ، وعلمهم ما لا يعلموا ، أمرهم بالسجود له ، على وجه التحية والتكرمة تعظيما له ، واعترافا بفضله ، واعتذارا عما قالوا فيه. وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم عليهالسلام (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) أي امتنع عن السجود «(وَاسْتَكْبَرَ) أي تكبر وقال : أنا خير منه ، فالسين للمبالغة (وَكانَ) في سابق علم الله أو صار (مِنَ الْكافِرِينَ).
تنبيهات :
الأول : للناس في هذا السجود أقوال : أحدها أنه تكريم لآدم ، وطاعة لله ، ولم يكن عبادة لآدم. وقيل : السجود لله ، وآدم قبلة ، أو السجود لآدم تحية ، أو السجود لآدم عبادة بأمر الله ، وفرضه عليهم. ذكر ابن الأنباريّ عن الفرّاء وجماعة من الأئمة ، أن سجود الملائكة لآدم ، كان تحية ، ولم يكن عبادة. وكان سجود تعظيم وتسليم وتحية ، لا سجود صلاة وعبادة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال أهل العلم : السجود كان لآدم بأمر الله وفرضه. وعلى هذا إجماع كل من يسمع قوله. فإن الله تعالى قال (اسْجُدُوا لِآدَمَ) ولم يقل : إلى آدم. وكل حرف له معنى. وفرق بين «سجدت له» وبين «سجدت إليه» قال تعالى : (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) [فصلت : ٣٧] (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الرعد : ١٥] أجمع المسلمون على أن السجود للأحجار والأشجار والدواب محرّم. وأما الكعبة ، فيقال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلي إلى بيت المقدس ، ثم صلى إلى الكعبة ، ولا يقال صلى لبيت المقدس ، ولا للكعبة. والصواب أن الخضوع بالقلوب ، والاعتراف بالعبودية ، لا يصلى على الإطلاق إلّا لله سبحانه. وأما السجود فشريعة من الشرائع يتبع الأمر. فلو أمرنا سبحانه أن نسجد لأحد من خلقه ، لسجدنا طاعة واتباعا لأمره. فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة وقربة يتقربون بها إليه. وهو لآدم تشريف