الفساد ، الذي أعظمه الإشراك ، بالتسبيح. وسفك الدماء ، الذي هو تلويث
النفس بأقبح الجرائم ، بتطهير النفس عن الآثام. لا تمدحا بذلك ، ولا إظهارا للمنّة
، بل بيانا للواقع.
تنبيهات
في وجوه فوائد من الآية
الأول : دلت
الآية على أن الله تعالى ـ في عظمته وجلاله ـ يرضى لعبيده أن يسألوه عن حكمته في
صنعته ، وما يخفى عليهم من أسراره في خلقه ، لا سيما عند الحيرة. والسؤال يكون
بالمقال ، ويكون بالحال ، والتوجّه إلى الله تعالى في إفاضة العلم بالمطلوب من
ينابيعه التي جرت سنته تعالى بأن يفيض منها ـ كالبحث العلميّ ، والاستدلال العقليّ
، والإلهام الإلهيّ ـ.
الثاني : إذا كان
من أسرار الله تعالى ، وحكمه ، ما يخفى على الملائكة ، فنحن أولى بأن يخفى علينا ،
فلا مطمع للإنسان في معرفة جميع أسرار الخليقة وحكمها ، لأنه لم يؤت من العلم إلا
قليلا ...!
الثالث : إنّ
الله تعالى هدى الملائكة في حيرتهم ، وأجابهم عن سؤالهم بإقامة الدليل ـ بعد
الإرشاد ـ إلى الخضوع والتسليم. وذلك أنه ـ بعد أن أخبرهم بأنه يعلم ما لا يعلمون
ـ علّم آدم الأسماء ، ثم عرضهم على الملائكة ، كما سيأتي بيانه.
الرابع : تسلية
النبي صلىاللهعليهوسلم ، عن تكذيب الناس ، ومحاجتهم في النبوة بغير برهان ،
على إنكار ما أنكروا ، وبطلان ما جحدوا. فإذا كان الملأ الأعلى قد مثّلوا على أنهم
يختصمون ، ويطلبون البيان والبرهان ، فيما لا يعلمون ، فأجدر بالناس أن يكونوا
معذورين ، وبالأنبياء أن يعاملوهم كما عامل الله الملائكة المقربين. أي فعليك يا
محمد أن تصبر على هؤلاء المكذبين ، وترشد المسترشدين ، وتأتي أهل الدعوة بسلطان
مبين. وهذا الوجه هو الذي يبين اتصال هذه الآيات بما قبلها. وكون الكلام لا يزال
في موضوع الكتاب ، وكونه لا ريب فيه ، والرسول ، وكونه يبلغ وحي الله تعالى ،
ويهدي به عباده ، واختلاف الناس فيها.
ومن خواص
القرآن الحكيم الانتقال من مسألة إلى أخرى مباينة لها أو قريبة منها. مع كون
الجميع في سياق موضوع واحد. ـ كذا في تفسير مفتي مصر ـ.