(والصيب) السحاب ذو الصوب. والصوب المطر. والمراد بالسماء : السحاب ، كما قال تعالى : (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) [الواقعة : ٦٩]. وهي في الأصل : كل ما علاك من سقف ونحوه.
(فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) التنوين في الكلّ للتفخيم والتهويل ـ كأنّه قيل : فيه ظلمات داجية ، ورعد قاصف ، وبرق خاطف ـ (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) الصاعقة : الصوت الشديد من الرعدة يسقط معها قطعة نار تنقدح من السحاب ـ إذا اصطكّت أجرامه ـ لا تأتي على شيء إلا أحرقته (حَذَرَ) ـ أي خوف ـ (الْمَوْتِ) ـ من سماعها ـ (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) علما وقدرة فلا يفوتونه. والجملة اعتراضية منبّهة على أنّ ما صنعوا ـ من سدّ الآذان بالأصابع ـ لا يغني عنهم شيئا ، فإنّ القدر لا يدافعه الحذر ، والحيل لا تردّ بأس الله عزوجل. وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير ـ الراجع إلى أصحاب الصيّب ـ الإيذان بأنّ ما دهمهم ـ من الأمور الهائلة المحكيّة ـ بسبب كفرهم ، فيظهر استحقاقهم شدّة الأمر عليهم ، على طريقة قوله تعالى : (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا) [آل عمران : ١١٧] فإن الإهلاك الناشئ عن السخط أشد.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا
وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٠)
(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) استئناف آخر وقع جوابا عن سؤال مقدّر ـ كأنه قيل : فكيف حالهم مع ذلك البرق؟ فقيل : يكاد يخطف أبصارهم ، أي : يأخذها بسرعة (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) أي : في ضوئه (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) أي : وقفوا ، وثبتوا في مكانهم ـ ومنه : قامت السوق ، إذا ركدت وكسدت. وقام الماء ، جمد ـ وهذا تمثيل لشدّة الأمر على المنافقين : بشدّته على أصحاب الصيّب ، وما هم فيه من غاية التحيّر والجهل ـ بما يأتون وما يذرون ـ إذا صادفوا من البرق خفقة ـ مع خوف أن يخطف أبصارهم ـ انتهزوا تلك الخفقة فرصة ، فخطوا خطوات يسيرة ، فإذا خفي ، وفتر لمعانه ، بقوا واقفين متقيدين عن الحركة (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) أي : لزاد في قصيف الرعد فأصمّهم ، أو في ضوء البرق فأعماهم. ومفعول «شاء» محذوف ، لأنّ الجواب يدلّ عليه. والمعنى : ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها. ولقد تكاثر هذا الحذف في «شاء» و «أراد». لا