ادعينا أنّ الحق هو مذهب السلف ، وأنّ مذهب السلف هو : توظيف الوظائف السبع على عوامّ الخلق في ظواهر الأخبار المتشابهة. وقد ذكرنا برهان كلّ وظيفة معها فهو برهان كونه حقا ، فمن يخالف ـ ليت شعري! ـ أيخالف في قولنا الأول : إنه يجب على العاميّ التقديس للحقّ عن التشبيه ومشابهة الأجسام. أو في قولنا الثاني : إنه يجب عليه التصديق والإيمان بما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام بالمعنى الذي أراده. أو في قولنا الثالث : إنه يجب عليه الاعتراف بالعجز عن درك حقيقة تلك المعاني. أو في قولنا الرابع : إنه يجب عليه السكوت عن السؤال والخوض فيما هو وراء طاقته. أو في قولنا الخامس : إنه يجب عليه إمساك اللسان عن تغيير الظواهر بالزيادة والنقصان والجمع والتفريق. أو في قولنا السادس : إنه يجب عليه كف القلب عن التذكر فيه والفكر مع عجزه عنه ، وقد قيل لهم : تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق. أو في قولنا السابع : إنه يجب عليه التسليم لأهل المعرفة من الأنبياء والأولياء والعلماء الراسخين. فهذه أمور بيانها برهانها ، ولا يقدر أحد على جحدها وإنكارها ، إن كان من أهل التمييز ، فضلا عن العلماء والعقلاء. فهذه هي البراهين العقلية!
النمط الثاني : البرهان السمعيّ على ذلك. وطريقه أن نقول :
الدليل على أن الحق مذهب السلف أن نقيضه بدعة ـ والبدعة مذمومة وضلالة ـ والخوض من جهة العوام في التأويل ، والخوض فيه من جهة العلماء بدعة مذمومة ، وكان نقيضه ـ وهو الكف عن ذلك ـ سنة محمودة. فهاهنا ثلاثة أصول :
أحدها : إن البحث والتفتيش والسؤال عن هذه الأمور بدعة.
والثاني : أن كلّ بدعة فهي مذمومة.
والثالث : أن البدعة إذا كانت مذمومة كان نقيضها ، وهي السنة القديمة ، محمودة.
ولا يمكن النزاع في شيء من هذه الأصول ، فإذا سلم ذلك ، ينتج : أن الحق مذهب السلف. ثم أطال ـ قدسسره ـ في إيضاح هذه الأصول وأطاب ، فارجع إليه إن شئت.
والقول الشامل في هذا الباب ما قاله الإمام أحمد رضي الله عنه :
«لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، لا يتجاوز القرآن والحديث. ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حقّ ليس فيه لغز ولا أحاجي ، بل