الأرض ، قال تعالى : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣٥] فالمنافق هو الذي خرج من الإيمان باطنا بعد دخوله فيه ظاهرا. وقيّد النفاق بأنه نفاق من الإيمان. ومن الناس من يسمي من خرج عن طاعة الملك منافقا عليه. لكن المنافق ـ الذي في القرآن ـ هو النفاق على الرسول ، فخطاب الله ورسوله الناس بهذه الأسماء كخطاب الناس بغيرها ، وهو خطاب مقيّد خاص ، لا مطلق يحتمل أنواعا :
وقد بين الرسول تلك الخصائص. والاسم دلّ عليها ، فلا يقال : إنها منقولة ، ولا أنه زيد في الحكم دون الاسم ، بل الاسم إنما استعمل على وجه يختص بمراد الشارع ، لم يستعمل مطلقا. وهو إنما قال : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) [البقرة : ٤٣] ، بعد أن عرفهم الصلاة المأمور بها ، فكان التعريف منصرفا إلى الصلاة التي يعرفونها. لم ينزل لفظ الصلاة وهم لا يعرفون معناه. ولهذا قال من قال في لفظ الصلاة : إنه عام للمعنى اللغويّ ، وأنه مجمل لتردده بين المعنى اللغويّ والشرعيّ ، ونحو ذلك ، فأقوالهم ضعيفة. فإن هذا اللفظ إنما ورد خبرا أو أمرا. فالخبر كقوله : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) [العلق : ٩ ـ ١٠] ، وسورة (اقرأ) من أول ما نزل من القرآن ، وكان بعض الكفار ـ إمّا أبو جهل أو غيره ـ قد نهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن الصلاة ، وقال (١) : لئن رأيته يصلي لأطأنّ عنقه ، فلما رآه ساجدا رأى من الهول ما أوجب نكوصه على عقبيه. فإذا قيل : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) فقد علمت تلك الصلاة الواقعة بلا إجمال في اللفظ ولا عموم. ثم إنه لما فرضت الصلوات الخمس ليلة المعراج ، أقام النبي صلىاللهعليهوسلم لهم الصلوات بمواقيتها صبيحة ذلك اليوم ، وكان جبريل يؤمّ النبي صلىاللهعليهوسلم ، والمسلمون يأتمون بالنبي صلىاللهعليهوسلم. فإذا قيل لهم : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) عرفوا أنها تلك الصلاة. وقيل : إنه قبل ذلك كانت له صلاتان في طرفي النهار ، فكانت أيضا.
فلم يخاطبوا باسم من هذه الأسماء إلّا ومسماه معلوم عندهم ، فلا إجمال في ذلك ولا يتناول كلّ ما يسمى : حجّا ، ودعاء ، وصوما ، فإنّ هذا إنما يكون إذا كان اللفظ مطلقا ، وذلك لم يرد. وكذلك الإيمان والإسلام ، وقد كان معنى ذلك عندهم من أظهر الأمور. وإنما سأل جبرئيل النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن ذلك وهم يسمعون ، وقال (٢) :
__________________
(١) أخرجه البخاري في التفسير ، سورة العلق ، باب (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ).
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان ، باب سؤال جبريل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان.