وقال عكرمة : دفن في الجانب الأيمن من النيل ، فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر ، فنقل إلى الجانب الأيسر فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر ، فدفنوه في وسطه. وقدّروا ذلك بسلسلة فأخصب الجانبان (١) جميعا إلى أن أخرجه موسى فدفنه بقرب آبائه بالشام.
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦))
(ذلِكَ) ، الذي ذكرت ، (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) ، أي : وما كنت يا محمد عند أولاد يعقوب ، (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) ، أي : عزموا على إلقاء يوسف في الجبّ ، (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) ، بيوسف.
(وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) ، يا محمد ، (وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ، على إيمانهم. روي أن اليهود وقريشا سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قصة يوسف ، فلما أخبرهم على (٢) موافقة التوراة لم يسلموا ، فحزن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقيل له (٣) : إنهم لا يؤمنون ولو حرصت على إيمانهم.
(وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ) ، أي : على تبليغ الرسالة والدعاء إلى الله تعالى ، (مِنْ أَجْرٍ) ، [أي] : جعل وجزاء ، (إِنْ هُوَ) ، ما هو يعني القرآن ، (إِلَّا ذِكْرٌ) ، عظة وتذكير ، (لِلْعالَمِينَ).
(وَكَأَيِّنْ) ، وكم ، (مِنْ آيَةٍ) ، عبرة ودلالة ، (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) ، لا يتفكّرون فيها ولا يعتبرون بها.
(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)) ، فكان من إيمانهم إذا سئلوا : من خلق السموات والأرض؟ قالوا : الله ، وإذا قيل لهم : من ينزّل القطر؟ قالوا : الله ، ثم مع ذلك يعبدون الأصنام ويشركون.
وعن ابن عباس أنه قال : إنها نزلت في تلبية المشركين من العرب كانوا يقولون في تلبيتهم : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك.
وقال عطاء : هذا في الدعاء وذلك أن الكفار نسوا ربهم في الرخاء ، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء ؛ كما قال الله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [يونس : ٢٢] الآية ، (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)) [العنكبوت : ٦٥] ، وغير ذلك من الآيات.
(أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩))
__________________
(١) في المطبوع «الجانبات».
(٢) في المخطوط «عن».
(٣) في المطبوع «لهم».