[١١٨٤] قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي».
(إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) ، أي : إن الله بصنيعهن عالم ، وإنما أراد يوسف بذكرهنّ بعد طول المدّة حتى لا ينظر إليه الملك بعين التّهمة والخيانة ، ويصير إليه بعد زوال الشك عن أمره ، فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته ، فدعا الملك النسوة وامرأة العزيز.
(قالَ) لهن : (ما خَطْبُكُنَ) ، ما شأنكن وأمركن ، (إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) ، خاطبهن والمراد امرأة العزيز ، وقيل : إن امرأة العزيز راودته عن نفسه وسائر النسوة أمرنه (١) بطاعتها فلذلك خاطبهن جميعا ، (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) ، معاذ الله ، (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) ، خيانة ، (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) ظهر وتبيّن. وقيل : إن النّسوة أقبلن على امرأة العزيز فقررنها فأقرّت ، وقيل : خافت أن يشهدن عليها فأقرّت وقالت : (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ، في قوله : هي راودتني عن نفسي ، فلما سمع ذلك يوسف قال :
(ذلِكَ) ، أي : ذلك الذي فعلت من ردّي رسول الملك إليه ، (لِيَعْلَمَ) العزيز ، (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ) ، في زوجته ، (بِالْغَيْبِ) ، أي : في حال غيبته ، (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) ، قوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ) من كلام يوسف اتّصل بقول امرأة العزيز : (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) من غير تمييز (٢) لمعرفة السامعين. وقيل : فيه تقديم وتأخير ، معناه : ارجع إلى ربّك فاسأله ما بال النّسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ إنّ ربّي بكيدهنّ عليم ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ، قيل : لما قال يوسف هذه المقالة ، قال له جبريل [عليهالسلام](٣) : ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف عند ذلك : وما أبرئ نفسي. وقال السدي : إنما قالت له امرأة العزيز : ولا حين حللت سراويلك يا يوسف؟ (١) ، فقال يوسف [عند ذلك](٤) :
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤))
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ، من الخطأ والزلل فأزكيها ، (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) ، بالمعصية (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) ، أي : إلا من رحم ربي فعصمه ، و (ما) بمعنى من ؛ كقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) [النساء : ٣] ، أي : من طاب لكم ، وهم الملائكة عصمهم الله عزوجل فلم يركب فيهم الشهوة. وقيل : إلّا ما رحم ربي إشارة إلى حالة العصمة عند رؤية البرهان. (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فلما تبيّن للملك عذر يوسف عليهالسلام وعرف أمانته وعلمه [اشتاق لرؤيته وكلامه ، وذلك معنى قوله تعالى إخبارا عنه](٦) :
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) ، أي : أجعله خالصا لنفسي ، (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) ، فيه اختصار
__________________
[١١٨٤] ـ صحيح. وهو بعض حديث أخرجه البخاري ٣٣٧٢ و ٤٥٣٧ ومسلم ١٥١ ح ٢٣٨ وابن ماجه ٤٠٢٦ وابن حبان ٦٢٠٨ والطحاوي في «المشكل» ٣٢٦ عن أبي هريرة مرفوعا.
وانظر الحديث المتقدم في سورة البقرة آية : ٢٦٠.
(١) هذا الأثر من الإسرائيليات ، لا يليق بيوسف عليهالسلام.
__________________
(١) في المطبوع «أمرته».
(٢) في المطبوع «تميز».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيد في المطبوع وحده.