يكن السجن في المدينة.
فقال : (يُوسُفُ) ، يعني : يا يوسف ، (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) ، والصديق الكثير الصدق ، (أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) ، فإن الملك رأى هذه الرؤيا ، (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) ، أهل مصر ، (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) ، تأويل الرؤيا. وقيل : لعلّهم يعلمون منزلتك في العلم ، فقال لهم يوسف معبّرا ومعلما : أمّا البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخاصيب ، والبقرات العجاف والسنبلات [اليابسات](١) ، فالسنون المجدبة ، فذلك قوله تعالى إخبارا عن يوسف.
(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) ، هذا خبر بمعنى الأمر ، يعني : ازرعوا سبع سنين على عادتكم في الزراعة ، والدأب : العادة. وقيل : بجدّ واجتهاد. وقرأ عاصم برواية حفص : (دَأَباً) ، بفتح الهمزة ، وهما لغتان ، يقال : دأبت في الأمر أدأب دأبا ودأبا إذا اجتهدت. (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) ، أمرهم بترك الحنطة في السنبلة لتكون أبقى على [طول](٢) الزمان ولا تفسد ، (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) ، أي : تدرسون قليلا للأكل ، أمرهم بحفظ الأكثر والأكل بقدر الحاجة.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ) ، سمّى السنين المجدبة شدادا لشدّتها على الناس ، (يَأْكُلْنَ) ، أي : يفنين ويهلكن ، (ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) ، أي : يؤكل فيهنّ ما أعددتم لهنّ من الطعام أضاف الأكل إلى السنين على طريق التوسّع ، (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) ، تحرزون وتدّخرون للبذر.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢))
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) ، أي : يمطرون من الغيث ، وهو المطر. وقيل : ينقذون من قول العرب استغثت فلانا فأغاثني ، (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) ، قرأ حمزة والكسائي : تعصرون ، بالتاء لأن الكلام كلّه على الخطاب ، وقرأ الآخرون بالياء ردا إلى الناس ، ومعناه : يعصرون العنب خمرا والزيتون زيتا والسمسم دهنا وأراد به كثرة النعم (٣) والخير. وقال أبو عبيدة : (يَعْصِرُونَ) ، أي : ينجون من الكرب (٤) والجدب [الذي كانوا فيه](٥) ، والعصر : النجاة والملجأ.
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) ، وذلك أن الساقي لما رجع إلى الملك وأخبره بما أفتاه به يوسف من تأويل رؤياه ، وعرف الملك أن الذي قاله كائن ، قال : ائتوني به ، (فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ) ، وقال له : أجب الملك أبى أن يخرج مع الرسول حتى تظهر براءته ثم ، (قالَ) للرسول : (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) ، يعني : سيدك الملك ، (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) ، ولم يصرح بذكر امرأة العزيز أدبا واحتراما.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «النعيم».
(٤) في المطبوع «الكروب».
(٥) زيادة عن المخطوط.