وقالوا : إن العرب لا تؤخّر لو لا عن الفعل ، فلا تقول : لقد قمت لو لا زيد ، وهو يريد لو لا زيد لقمت. وقيل : همت بيوسف أن يفترشها ، وهمّ بها يوسف أي : تمنّى أن تكون له زوجة. وهذا التأويل وأمثاله غير مرضية لمخالفتها أقاويل القدماء من العلماء الذين أخذ عنهم الدين والعلم. وقال بعضهم : إن القدر الذي فعله يوسف عليهالسلام كان من الصغائر ، والصغائر تجوز على الأنبياء عليهمالسلام. وروي أن يوسف عليهالسلام لما دخل على الملك حين خرج من السجن وأقرّت المرأة ، قال يوسف : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [يوسف : ٥٢] ، قال له جبريل : ولا حين هممت بها يا يوسف؟ فقال يوسف عند ذلك : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) [يوسف : ٥٣](١). وقال الحسن البصري : إن الله تعالى لم يذكر ذنوب الأنبياء عليهمالسلام في القرآن ليعيّرهم ، ولكن ذكرها ليبيّن موضع النعمة عليهم ، ولئلا ييأس أحد من رحمته. وقيل : إنه ابتلاهم بالذنوب ليتفرّد بالطهارة والعزّة ، ويلقاه جميع الخلق يوم القيامة على انكسار المعصية. وقيل : ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء الرحمة وترك الإياس من المغفرة والعفو. وقال بعض أهل الحقائق : الهمّ همّان ، همّ ثابت وهو إذا كان معه عزم وعقد ورضى ، مثل هم امرأة العزيز ، والعبد مأخوذ به ، وهمّ عارض وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم ، مثل همّ يوسف عليهالسلام ، والعبد غير مؤاخذ (١) به ما لم يتكلّم أو يعمل.
[١١٨١] أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمد محمش الزيادي ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السّلمي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن همام بن منبه قال : حدّثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قال الله عزوجل : إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها ، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها ، وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها ما لم يعملها ، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها».
قوله عزوجل : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، اختلفوا في ذلك البرهان ، قال قتادة وأكثر المفسرين : إنه رأى صورة يعقوب وهو يقول له : يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء. وقال
__________________
(١) هذا الأثر من الإسرائيليات ، وهو من بدع التأويل ، والراجح أن الكلام المتقدم أنما هو من كلام امرأة العزيز. فتدبر ، والله أعلم.
[١١٨١] ـ إسناده صحيح. أحمد بن يوسف روى له مسلم ، ومن دونه توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
عبد الرزاق هو ابن همام ، معمر هو ابن راشد ، همام هو ابن منبه.
وهو في «شرح السنة» ٤٠٤٣ بهذا الإسناد ، وفي «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٥٥٧ عن معمر به بنحوه.
وأخرجه مسلم ١٢٩ وأحمد (٢ / ٣١٥) وابن حبان ٣٧٩ من طريق عبد الرزاق به.
وأخرجه البخاري ٧٥٠١ ومسلم ١٢٨ والترمذي ٣٠٧٣ وأحمد (٢ / ٢٤٢) وابن مندة ٣٧٥ وابن حبان ٣٨٠ و ٣٨١ ومن طرق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه.
وأخرجه مسلم ١٢٨ ح ٢٠٤ وابن مندة في «الإيمان» ٣٧٧ وابن حبان ٣٨٣ من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به.
__________________
وغيرهما. ثم هناك تخريج آخر ، وهو أن جواب لو لا وإن لم يتقدم ، لكن ما ذكر قبل لو لا يكون دالا عليه فتنبه ، والله الموفق.
(١) في المطبوع «مأخوذ».