الأصنام ، (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ، وليس المراد من النظر حقيقة النظر ، إنما المراد منه المقابلة ، تقول العرب : داري تنظر إلى دارك ، أي : تقابلها ، وقيل : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) ، أي : كأنهم ينظرون إليك ؛ كقوله تعالى : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) [الحج : ٢] ، أي : كأنهم سكارى هذا قول [أكثر](١) المفسّرين. وقال الحسن : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى) ، يعني : المشركين لا يسمعوا ولا يعقلوا ذلك بقلوبهم وتراهم ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرون بقلوبهم.
قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ) ، قال عبد الله بن الزبير : أمر الله نبيّه عليه الصّلاة والسّلام أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. وقال مجاهد : خذ العفو يعني العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس ، وذلك مثل قبول الاعتذار. والعفو : المساهلة وترك البحث عن الأشياء ونحو ذلك.
[٩٦٠] وروي أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبريل : «ما هذا؟ قال : لا أدري حتى أسأله ، ثم رجع فقال : إنّ ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمّن ظلمك». وقال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي والضحاك والكلبي : يعني خذ ما عفا لك من الأموال وهو الفضل عن العيال ، وذلك معنى قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة : ٢١٩] ، ثم نسخت هذه بالصدقات (٢) المفروضات. قوله تعالى : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) ، أي : بالمعروف ، وهو كل ما يعرفه الشرع. وقال عطاء : وأمر بالعرف يعني بلا إله إلّا الله. (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) ، أبي جهل وأصحابه ، نسختها آية السيف. وقيل : إذا تسفه عليك الجاهل فلا تقابله بالسفه ، وذلك مثل قوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣] ، وذلك سلام المتاركة. قال جعفر الصادق : أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم بمكارم الأخلاق ، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية.
[٩٦١] أخبرنا عبد الواحد بن عبد الصمد الجوزجاني (١) ثنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ثنا
__________________
[٩٦٠] ـ مرسل. أخرجه الطبري ١٥٥٥٩ عن أمي بن ربيعة ، وهذا معضل ، وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (٢ / ٣٤٨) عن أمي بن ربيعة عن الشعبي مرسلا.
قال الحافظ ابن كثير : هذا مرسل ، وقد روي من وجوه أخر ، وقد روي مرفوعا عن جابر ، وقيس بن سعد بن عبادة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أسندهما ابن مردويه اه.
قلت : الوهن في صدره ، وهو سؤال النبي صلىاللهعليهوسلم لجبريل عليهالسلام في نزول الآية ، وأما باقيه فله شواهد من حديث عقبة بن عامر وغيره.
أما حديث عقبة فقد أخرجه أحمد (٤ / ١٤٨ و ١٥٨) والطبراني (١٧ / ٢٧٠) وقال الهيثمي في «المجمع» (٨ / ١٨٨) : أحد إسنادي أحمد رجاله ثقات اه. وسياق الحديث : «يا عقبة صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، وأعرض عمن ظلمك».
وورد من حديث علي أخرجه الطبراني كما في «المجمع» ١٣٦٩١ وقال الهيثمي : فيه الحارث ، وهو ضعيف.
وورد من حديث كعب بن عجرة أخرجه الطبراني (١٩ / ١٥٥) وقال الهيثمي ١٣٦٩٢ : فيه محمد بن جابر السحيمي ، وهو متروك ، فهذا الشاهد ليس بشيء وانظر : «تفسير الكشاف» ٤٠٦ عند هذه الآية بتخريجي.
(١) وقع في الأصل «الجرجاني» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنوار».
[٩٦١] ـ إسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم غير أبي عبد الله الجدلي ، وهو ثقة ، شعبة هو ابن الحجاج ، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي أبو عبد الله هو عبد ، أو عبد الرحمن بن عبد.
وهو في «شرح السنة» ٢٥٦٢ بهذا الإسناد ، وهو في «الشمائل» للترمذي ٣٤٠ عن محمد بن بشار به.
وأخرجه الترمذي ٢٠١٦ في سننه والطيالسي ١٥٢٠ وأحمد (٦ / ٢٤٦) والبيهقي في «الدلائل» (١ / ٣١٥) من طرق عن
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) تصحف في المخطوط «بالصلوات».