قوله تعالى : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً) ، يعني : إبليس والأصنام ، (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) ، أي : هم مخلوقين.
(وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً) ، [أي :](١) الأصنام لا تنصر من أطاعها ، (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) ، قال الحسن : لا يدفعون عن أنفسهم مكروه من أرادهم بكسر أو نحوه ، ثم خاطب المؤمنين فقال :
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى) ، [أي :](١) وإن تدعوا المشركين إلى الإسلام ، (لا يَتَّبِعُوكُمْ) ، قرأ نافع بالتخفيف ، وكذلك : (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) [الشعراء : ٢٢٤] ، في الشعراء وقرأ الآخرون بالتشديد فيهما وهما لغتان ، يقال : تبعه تبعا واتّبعه اتّباعا. (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ) ، إلى الدين ، (أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) ، عن دعائهم لا يؤمنون ؛ كما قال : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠)) [يس : ١٠] ، وقيل : [معناه] وإن تدعهم إلى الهدى ، يعني الأصنام لا يتبعوكم لأنها غير عاقلة.
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، يعني الأصنام ، (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) ، يريد أنها مملوكة أمثالكم. وقيل : أمثالكم في التسخير ، أي : أنهم مسخّرون مذلّلون لما أريد منهم. قال مقاتل : قوله عباد أمثالكم أراد به الملائكة ، والخطاب مع قوم كانوا يعبدون الملائكة. والأول أصح. (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أنها آلهة. قال ابن عباس : فاعبدوهم هل يثيبونكم أو يجازونكم (٢) إن كنتم صادقين أن لكم عندها منفعة ، ثم بيّن عجزهم فقال :
(أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥) إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩))
(أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) ، قرأ جعفر بضم الهاء هنا وفي القصص والدخان ، وقرأ الآخرون بكسر الطاء ، (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) ، أراد أن قدرة المخلوقين تكون بهذه الجوارح والآلات ، وليست للأصنام هذه الآلات ، وأنتم مفضّلون (٣) عليهم بالأرجل الماشية والأيدي الباطشة والأعين الباصرة والآذان السامعة ، فكيف تعبدون من أنتم أفضل وأقدر منهم؟ (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) ، يا معشر المشركين ، (ثُمَّ كِيدُونِ) ، أنتم وهم ، (فَلا تُنْظِرُونِ) ، أي : لا تمهلوني واعجلوا في كيدي.
قوله : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) ، يعني القرآن ، أي : إنه يتولّاني وينصرني كما أيدني بإنزال الكتاب ، (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد الذين لا يعدلون بالله شيئا ، فالله يتولاهم بنصره (٤) فلا يضرّهم عداوة من عاداهم.
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧)).
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) ، يعني الأصنام ، (وَتَراهُمْ) يا محمد (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) ، يعني :
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يجاوزونكم».
(٣) في المخطوط «تفضلون».
(٤) في المخطوط «وينصرهم».