التي يريد أن تجدب فترتحل منها إلى ما قد أخصبت ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً) ، أي : لا أقدر لنفسي نفعا ، أي : اجتلاب نفع بأن أربح ولا ضرّا ، أي دفع ضرّ بأن أرتحل من أرض يريد أن تجدب إلا ما شاء الله أن أملكه ، (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) ، أي : لو كنت أعلم الخصب والجدب لا ستكثرت من المال ، أي لسنة لقحط وما مسّني السوء ، أي : الضرّ والفقر والجوع.
وقال ابن جريج : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ، يعني : الهدى والضلالة ، (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ، أي : متى أموت (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) ، يعني : من العمل الصالح (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ). قال ابن زيد : اجتنبت ما يكون من الشر واتّقيته. وقيل : معناه ولو كنت أعلم الغيب أي متى [تقوم](١) الساعة لأخبرتكم حتى تؤمنوا وما مسّني السوء بتكذيبكم. وقيل : ما مسّني السوء ابتداء يريد وما مسّني الجنون لأنهم كانوا ينسبونه (٢) إلى الجنون. (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) ، لمن لا يصدّق بما جئت به ، (وَبَشِيرٌ) ، بالجنّة ، (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، يصدّقون.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ، يعني : من آدم ، (وَجَعَلَ) ، وخلق (مِنْها زَوْجَها) ، يعني : حواء ، (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) ، ليأنس بها ويأوي إليها ، (فَلَمَّا تَغَشَّاها) ، أي : واقعها وجامعها (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) ، وهو [أن](٣) أول ما تحمل المرأة من النطفة يكون خفيفا عليها ، (فَمَرَّتْ بِهِ) ، أي : استمرّت به وقامت وقعدت به ولم يثقلها ، (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) ، أي : كبر الولد في بطنها وصارت ذات ثقل بحملها ودنت ولادتها ، (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) ، يعني آدم وحوّاء ، (لَئِنْ آتَيْتَنا) يا ربّنا (صالِحاً) ، أي : بشرا سويا مثلنا ، (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، قال المفسّرون : فلما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل ، فقال لها : ما الذي في بطنك؟ قالت : ما أدري. [قال : إني](٤) أخاف أن يكون بهيمة أو كلبا أو خنزيرا وما يدريك من أين يخرج من دبرك فيقتلك أو من فيك ويشق بطنك ، فخافت حواء من ذلك ، وذكرت ذلك لآدم عليهالسلام فلم يزالا في همّ من ذلك ، ثم عاد إليها فقال : إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقا سويا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحارث؟ وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث ، فذكرت ذلك لآدم ، فقال : لعلّه صاحبنا الذي قد علمت ، فعاودها إبليس فلم يزل بهما حتى غرّهما ، فلما ولدت سمّياه عبد الحارث (١).
قال الكلبي : قال إبليس لها إن دعوت الله فولدت إنسانا أتسمّينه بي؟ قالت : نعم ، فلما ولدت قال سمّيه بي ، قالت : وما اسمك؟ قال : الحارث ، ولو سمّى لها نفسه لعرفته فسمّته عبد الحارث.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت حواء تلد لآدم فيسمّيه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت ، فأتاهم إبليس وقال : إن سرّكما أن يعيش لكما ولد فسمّياه عبد الحارث ، فولدت فسمّياه عبد الحارث فعاش.
__________________
(١) عزاه المصنف للمفسرين ، وهو كما قال ، وورد مرفوعا ولا يصح والصواب أنه من الإسرائيليات انظر «تفسير الشوكاني» ١٠٢١ بتخريجي.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) تحرف في المطبوع «ينبونه».
(٣) زيادة عن المخطوطتين.
(٤) سقط من المطبوع.