السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [آل عمران : ٨٣] ، واختلفوا في موضع الميثاق ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ببطن نعمان واد إلى جنب عرفة (١). وروي عنه أيضا أنه بدهناء من أرض الهند (٢) ، وهو الموضع الذي هبط آدم عليهالسلام عليه (٣). وقال الكلبي : بين مكّة والطائف. وقال السدي : أخرج الله آدم عليهالسلام من الجنّة فلم يهبط من السماء ثم مسح ظهره فأخرج ذريّته. وروي : أن الله أخرجهم جميعا وصوّرهم وجعل لهم عقولا يعملون بها وألسنا ينطقون بها ثم كلّمهم قبلا يعني عيانا ، وقال : ألست بربّكم ، وقال الزجاج : وجائز أن يكون الله تعالى جعل لأمثال الذر فهما تعقل به ؛ كما قال تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [النمل : ١٨] ، وروي أن الله تعالى قال لهم جميعا : اعلموا أنه لا إله غيري وأنا ربّكم لا ربّ لكم غيري فلا تشركوا بي شيئا فإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن بي وإني مرسل إليكم رسلا يذكّرونكم عهدي وميثاقي ومنزّل عليكم كتبا فتكلموا جميعا ، وقالوا : شهدنا أنك ربّنا وإلهنا لا ربّ لنا غيرك ، فأخذ بذلك مواثيقهم ، ثم كتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم ، فنظر إليهم آدم فرأى منهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك ، فقال : يا ربّ لو لا (١) سوّيت بينهم؟ قال : إني أحب أن أشكر ، فلمّا قرّرهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعض أعادهم إلى صلبه فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ ميثاقه ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) ، أي : من ظهور بني آدم ذريتهم ، قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وابن عامر : (ذرياتهم) بالجمع وكسر التاء ، وقرأ الآخرون (ذُرِّيَّتَهُمْ) على التوحيد ، ونصب التاء ، فإن قيل : ما معنى قوله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) وإنما أخرجهم من ظهر آدم؟ قيل : إنّ الله أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء في الترتيب ، فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لما علم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهره. قوله تعالى : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) ، أي : أشهد بعضهم على بعض. قوله تعالى : (شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا) ، قرأ أبو عمرو : (أن يقولوا) أو يقولوا بالياء فيهما ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما ، واختلفوا في قوله : (شَهِدْنا) ، قال السدي : هو خبر من الله عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم. وقال بعضهم : هو خبر عن (٢) قول بني آدم أشهد الله بعضهم على بعض ، فقالوا : بلى شهدنا. وقال الكلبي : ذلك من قول الملائكة وفيه حذف تقديره : لما قالت الذرية بلى قال الله للملائكة : اشهدوا ، قالوا : شهدنا ، قوله : (أَنْ تَقُولُوا) ، يعني : وأشهدهم على أنفسهم أن يقولوا ، أي : لئلا يقولوا أو كراهية أن يقولوا ، ومن قرأ بالتاء فتقدير الكلام : أخاطبكم ألست بربكم لئلا تقولوا ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) ،
__________________
(١) أخرجه الطبري ١٥٣٥١ عن ابن عباس موقوفا ، وأخرجه أحمد ٢٤٥٥ والطبري ١٥٣٤٩ عن ابن عباس مرفوعا ، وهو ضعيف ، والصحيح موقوف.
(٢) أخرجه الطبري ١٥٣٥٣ عن ابن عباس موقوفا.
(٣) قال ابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٣٣٢) بعد أن ساق أحاديث الذرية ، فهذه الأحاديث دالة على أن الله عزوجل استخرج ذرية آدم من صلبه ، وميّز بين أهل الجنة وأهل النار ، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وفي حديث عبد الله بن عمرو وقد بيّنا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم ، ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الإسناد إنما هو فطرهم على التوحيد كما تقدم من حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي ، ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع ، وقد فسر الحسن البصري الآية بذلك .... اه.
__________________
(١) في المخطوط «لم لا».
(٢) في المخطوط «من».