احترقت وإن مكثت مت ، فقال له كبير الملائكة ورأسهم : قد أوشكت يا ابن عمران أن يشتدّ خوفك وينخلع قلبك فاصبر للذي سألت ، ثم أمر الله أن يحمل عرشه ملائكة السماء السابعة فلمّا بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب جلّ جلاله ، ورفعت ملائكة السموات أصواتهم جميعا يقولون : سبحان الملك القدّوس ربّ العزّة أبدا لا يموت بشدّة أصواتهم ، فارتجّ الجبل واندكت كل شجرة كانت فيه وخرّ العبد الضعيف موسى صعقا على وجهه ليس معه روحه ، فأرسل الله برحمته الروح فيغشاه ، وقلب عليه الحجر الذي كان موسى عليه وجعله كهيئة القبة لئلا يحترق موسى ، فأقامه الروح مثل اللامة (١) ، فقام موسى يسبّح الله ويقول : آمنت بك ربّي وصدقت أنه لا يراك أحد فيحيا ، من نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه فما أعظمك وأعظم ملائكتك أنت ربّ الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك ، ولا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء ، ربّ تبت إليك الحمد لك لا شريك لك ما أعظمك ما أجلّك رب العالمين ، فذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) ، قال ابن عباس : ظهر نور ربّه للجبل جبل زبير. وقال الضحاك : أظهر الله من نور الحجب مثل منخر ثور. وقال عبد الله بن سلام وكعب الأحبار : ما تجلّى من عظمة الله للجبل إلا مثل سمّ الخياط حتى صار دكا. وقال السدي : ما تجلّى إلّا قدر الخنصر ، يدلّ عليه ما :
[٩٤٠] روى ثابت عن أنس أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية وقال «هكذا» ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر ، «فساخ الجبل».
وحكي عن سهل بن سعد الساعدي أن الله تعالى أظهر من سبعين ألف حجاب نورا قدر الدرهم ، فجعل الجبل دكا. أي : مستويا بالأرض. قرأ حمزة والكسائي (دَكَّاءَ) ممدودا غير منوّن هاهنا وفي سورة الكهف ، وافق عاصم في الكهف ، وقرأ الآخرون (دَكًّا) مقصورا منوّنا ، فمن قصر فمعناه جعله مدقوقا : والدكّ والدق واحد ، وقيل : معناه دكّه الله دكا فتقه كما قال : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا) [الفجر : ٢١] ، ومن قرأ بالمدّ أي جعله مستويا أرضا دكاء. وقيل : معناه جعله مثل دكاء وهي الناقة التي لا سنام لها ، قال ابن عباس : جعله ترابا. وقال سفيان : ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر فهو يذهب فيه. وقال عطية العوفي : صار رملا هائلا. وقال الكلبي : جعله دكا أي كسرا جبالا صغارا.
__________________
[٩٤٠] ـ الراجح وقفه. أخرجه الترمذي ٣٠٧٤ وأحمد (٣ / ١٢٥) والحاكم (٢ / ٣٢٠) والطبري ١٥٠٩٧ وابن عدي في «الكامل» (٢ / ٢٦٠) وابن الجوزي في «الموضوعات» (١ / ١٢٢) من طريقين عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس به مرفوعا ، وهذا إسناد ظاهره الصحة ، رجاله رجال مسلم ، وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حسن غريب صحيح.
وأعله ابن عدي ، وعده من غرائب حماد بن سلمة ، وأنه مما دسّ في كتبه.
وقال ابن الجوزي : لا يثبت.
قال ابن عدي الحافظ : كان ابن أبي العرجاء ربيب حماد بن سلمة ، فكان يدس في كتبه هذه الأحاديث اه.
وقد صححه الألباني في «صحيح الترمذي» ٢٤٥٨ ، والذي أراه أنه معلول ، لكن لا يتهيأ الحكم عليه بالوضع وإنما الراجح وقفه.
وقد ورد من وجه آخر أخرجه الطبري ١٥٠٩٦ عن الأعمش عن رجل عن أنس وهذا إسناد ضعيف ، فيه رجل لم يسمّ.
وورد موقوفا ، أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» ٤٨٢ و ٤٨٣ من طريقين صحيحين عن سعيد عن قتادة عن أنس وهو على شرط البخاري ومسلم ، وهو أصح من المرفوع.
__________________
(١) في المخطوط «اللام».