موسى ، فوسوس إليه وقال : إنّ من كلّمك شيطان فعند ذلك سأل موسى الرؤية ، فقال الله عزوجل : (لَنْ تَرانِي) ، وتعلّقت نفاة الرؤية بظاهر هذه الآية ، وقالوا : قال الله (لَنْ تَرانِي) ، ولن تكون للتأبيد (١) ، ولا حجّة لهم فيها ، ومعنى الآية : لن تراني في الدنيا أو في الحال ، لأنه كان يسأل الرؤية في الحال ولن لا تكون للتأبيد ؛ كقوله تعالى : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) [البقرة : ٩٥] ، إخبارا عن اليهود ، ثم أخبر عنهم أنهم يتمنّون الموت في الآخرة ؛ كما قال الله تعالى : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧] ، و (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧)) [الحاقة : ٢٧] ، والدليل عليه أنه لم ينسبه إلى الجهل بسؤال الرؤية وأنه لم يقل إني لا أرى حتى تكون لهم حجة بل علّق الرؤية على استقرار الجبل واستقرار الجبل عند التجلّي غير مستحيل إذا جعل الله تعالى له تلك القوّة ، والمعلّق بما لا يستحيل لا يكون محالا. قال الله تعالى : (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) ، قال وهب وابن إسحاق : لما سأل موسى ربّه الرؤية أرسل الله الضباب والصواعق والظلمة والرعد والبرق وأحاط بالجبل الذي عليه موسى أربعة فراسخ من كل جانب ، وأمر الله ملائكة السماء أن يعرضوا (٢) على موسى فمرّت به ملائكة السماء الدنيا كثيران البقر تنبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد ، ثم أمر الله ملائكة السماء الثانية أن اهبطوا على موسى ، فاعترضوا عليه فهبطوا عليه أمثال الأسود لهم لجب بالتسبيح والتقديس ، ففزع العبد الضعيف ابن عمران ممّا رأى وسمع واقشعرت كل شعرة في رأسه وجسده ، ثم قال : لقد ندمت على مسألتي فهل ينجيني من مكاني الذي [أنا](٣) فيه شيء؟ فقال له خير الملائكة ورأسهم : يا موسى اصبر لما سألت ، فقليل من كثير ما رأيت. ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه ، فهبطوا أمثال النسور لهم قصف ورجف ولجب شديد ، وأفواههم تنبع بالتسبيح والتقديس [لهم جلب](٤) كجلب الجيش العظيم ألوانهم كلهب النار ، ففزع موسى واشتدّ فزعه وأيس من الحياة ، فقال له خير الملائكة : يا ابن عمران مكانك حتى ترى ما لا تصبر عليه ، ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة أن اهبطوا فاعترضوا على موسى بن عمران ، فهبطوا عليه لا يشبههم شيء من [الملائكة](٥) الذين مرّوا به قبلهم ألوانهم كلهب النار ، وسائر خلقهم كالثلج الأبيض أصواتهم عالية بالتقديس والتسبيح لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مرّوا به قبلهم ، فاصطكّت ركبتاه وارتعد قلبه واشتدّ بكاؤه ، فقال له خير الملائكة ورأسهم : يا ابن عمران اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ، ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة أن اهبطوا فاعترضوا على موسى فهبطوا عليه لهم سبعة ألوان فلم يستطع موسى أن يتبعهم بصره ، لم ير مثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم فامتلأ جوفه خوفا واشتدّ حزنه وكثر بكاؤه ، فقال له خير الملائكة ورأسهم : يا ابن عمران مكانك حتى ترى بعض ما لا تصبر عليه ، ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة أن اهبطوا على [عبدي الذي طلب أن يراني](٦) فهبطوا عليه في يد كل ملك منهم [عمود](٧) مثل النخلة الطويلة نار أشدّ ضوءا من الشمس ، ولباسهم كلهب النار إذا سبحوا وقدّسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السموات ، كلهم يقولون بشدّة أصواتهم : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، ربّ العزّة أبدا لا يموت ، وفي رأس كل ملك منهم أربعة أوجه ، فلما رآهم موسى رفع صوته يسبّح معهم حين سبّحوا وهو يبكي ويقول : ربّ اذكرني ولا تنس عبدك لا أدري أأنفلت ممّا أنا فيه أم لا؟ إن خرجت
__________________
(١) في المطبوع «للتأييد» وفي المخطوط «للتأكيد» والمثبت هو الصواب.
(٢) في المخطوط «يعترضوا».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) ما بين المعقوفتين في المطبوع «موسى فاعترضوا عليه».
(٧) زيادة عن المخطوط.