رسالتي فصرتم فرقتين مكذّبين ومصدّقين ، (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) ، بتعذيب المكذبين وإنجاء المصدقين ، (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ).
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) ، يعني : الرؤساء الذين تعظموا عن الإيمان به ، (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) ، لترجعنّ إلى ديننا الذي نحن عليه ، (قالَ) شعيب (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) ، يعني : ولو كنّا ، أي : إن كنا كارهين لذلك فتجبروننا عليه؟
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) ، بعد إذ أنقذنا الله منها ، (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) ، يقول إلّا أن يكون قد سبق لنا في علم الله ومشيئته أنا نعود فيها ، فحينئذ يمضي قضاء الله فينا وينفذ حكمه علينا. فإن قيل : ما معنى قوله : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) ، (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) ، ولم يكن شعيب قط على ملّتهم حتى يصح قولهم ترجع إلى ملتنا؟ قيل : معناه أو لتدخلن في ملتنا ، فقال : وما كان لنا أن ندخل فيها ، وقيل : معناه إن صرنا في ملتكم. ومعنى عاد : صار ، وقيل : أراد به قوم شعيب لأنهم كانوا كفارا فآمنوا فأجاب شعيب عنهم ، قوله : (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) ، أحاط علمه بكل شيء ، (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) ، فيما توعدوننا به ، ثم دعا (١) شعيب بعد ما أيس من فلاحهم ، فقال : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا) ، أي : اقض بيننا ، (بِالْحَقِ) ، والفتاح : القاضي ، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) ، أي : الحاكمين.
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢))
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) ، وتركتم دينكم ، (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) ، مغبونون ، قال عطاء : جاهلون (٢). قال الضحاك : عجزة.
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) ، قال الكلبي : الزلزلة ، (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره : فتح الله عليهم بابا من جهنم فأرسل عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظلّ ولا ماء فكانوا يدخلون الأسراب ليتبرّدوا فيها فإذا دخلوها وجدوها أشدّ حرا من الظاهر ، فخرجوا هربا إلى البرية ، فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فأظلتهم ، فنادى بعضهم بعضا [أن ايتوا فاستظلوا](٣) فهي الظلة ، فوجدوا لها بردا ونسيما حتى اجتمعوا تحت السحابة ، رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ألهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي ، وصاروا رمادا.
وروي أن الله تعالى حبس عنهم الريح سبعة أيام ثم سلّط عليهم الحرّ. قال يزيد الجريري : سلّط الله عليهم الحر سبعة أيام ثم رفع لهم جبل من بعيد فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون [فنادى أصحابه إليه ليستظلوا](٤) ، فاجتمعوا تحته كلهم فوقع ذلك الجبل عليهم ، فذلك قوله : (عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) [الشعراء : ١٨٩] ، قال قتادة : بعث الله شعيبا إلى أصحاب الأيكة وأصحاب مدين ، أما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة ، وأمّا أصحاب مدين فأخذتهم الصيحة ، صاح بهم جبريل عليهالسلام فهلكوا جميعا. قال أبو عبد الله البجلي : كان أبو جاد وهوّز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت ملوك مدين ، وكان ملكهم في زمن
__________________
(١) في المطبوع وط «عاد».
(٢) تصحف في المطبوع وط «جاهدون».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط وط.