فهلكت مع من هلك من قوم لوط ، وإنما قال : (مِنَ الْغابِرِينَ) ، لأنه أراد ممن بقي من الرجال فلما ضمّ ذكرها إلى ذكر الرجال قال : (مِنَ الْغابِرِينَ).
(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) ، يعني : حجارة من سجيل ، قال وهب : الكبريت والنار ، (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) ، قال أبو عبيدة : يقال في العذاب أمطر ، وفي الرحمة : مطر.
قوله تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) ، أي : وأرسلنا إلى ولد مدين وهو مدين [بن](١) إبراهيم خليل الرحمن عليهالسلام ، وهم أصحاب الأيكة (أَخاهُمْ شُعَيْباً) في النسب لا في الدين. قال عطاء : هو شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم.
وقال ابن إسحاق : هو شعيب بن ميكائيل بن يزجر بن مدين بن إبراهيم وأم ميكائيل بنت لوط. وقيل : هو شعيب بن يثرون بن مدين بن إبراهيم ، وكان شعيب أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه ، وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان ، (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، فإن قيل : ما معنى قوله تعالى : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، ولم يكن لهم آية مذكورة قيل : قد كانت لهم آية (٢) إلّا أنها لم تذكر ، وليست كل الآيات مذكورة في القرآن ، وقيل : أراد بالبيّنة مجيء شعيب ، (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ) ، فأتمّوا الكيل ، (وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) ، لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياها ، (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) ، أي : ببعث الرسل والأمر بالعدل ، وكل نبيّ بعث إلى قوم فهو لإصلاحهم ، (ذلكم) الذي ذكرت لكم وأمرتكم به ، (خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، مصدّقين بما أقول.
(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩))
(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) ، أي : على كل طريق ، (تُوعِدُونَ) ، تهدّدون ، (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، دين الله ، (مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً) ، زيغا ، وقيل : تطلبون الاعوجاج في الدين والعدول عن القصد ، وذلك أنهم كانوا يجلسون على [قوارع](٣) الطريق فيقولون لمن يريد الإيمان بشعيب : إن شعيب كذاب فلا يفتنك عن دينك ويتوعدون المؤمنين بالقتل ويخوّفونهم. وقال السدي : كانوا عشارين. (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) ، فكثر عددكم ، (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) ، أي : آخر أمر قوم لوط.
(وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) ، أي : إن اختلفتم في
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «هذه الآية».
(٣) زيادة عن المخطوط.