سلمان (١) الفقيه ببغداد ثنا يحيى بن جعفر بن الزّبرقان والحارث بن محمد قالا : ثنا روح هو ابن عبادة ، ثنا موسى بن عبيدة أخبرني مولى بن سبّاع قال : سمعت عبد الله بن عمر يحدث ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال :
كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزلت عليه هذه الآية : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت عليّ؟» قال : قلت بلى ، قال : فأقرأنيها ، قال : ولا أعلم إلا أني وجدت انقصاما في ظهري حتى تمطيت لها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما لك يا أبا بكر؟» فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأيّنا لم يعمل سوءا؟ إنا لمجزيّون بكل سوء عملناه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أمّا أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ، وليست لكم ذنوب ، وأمّا الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا يوم القيامة».
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤))
قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤)) ، أي : مقدار النقير ، وهو النقرة التي تكون في ظهر النّواة ، قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأهل البصرة وأبو بكر (يَدْخُلُونَ) بضم الياء وفتح الخاء هاهنا وفي سورة مريم وحم المؤمن ، زاد أبو عمر (يَدْخُلُونَها) [فاطر : ٣٣] في سورة فاطر ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الخاء ، روى الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : لمّا نزلت (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء ، فنزلت هذه الآية : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) الآية ، ونزلت أيضا :
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥))
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً) ، أحكم دينا (مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) ، أي : أخلص عمله لله ، وقيل : فوّض أمره إلى الله ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي : موحد ، (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) ، يعني : دين إبراهيم عليهالسلام ، (حَنِيفاً) أي : مسلما مخلصا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ومن دين إبراهيم الصلاة إلى الكعبة والطواف بها ومناسك الحج ، وإنّما خصّ بها إبراهيم لأنه كان مقبولا عند الأمم أجمع ، وقيل : لأنه بعث على ملّة إبراهيم وزيدت له أشياء. (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) ، صفيا ، والخلّة : صفاء (١) المودّة ، وقال الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان إبراهيم عليهالسلام أبا الضيفان ، وكان منزله على ظهر الطّريق يضيف من مرّ به من الناس ، فأصاب الناس سنة فحشروا إلى باب إبراهيم عليهالسلام يطلبون الطعام وكانت الميرة كل سنة من صديق له بمصر ، فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي بمصر ، فقال خليله لغلمانه : لو كان إبراهيم عليهالسلام إنما يريده لنفسه احتملنا ذلك له ، فقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة ، فرجع رسل إبراهيم عليهالسلام ، فمرّوا ببطحاء سهلة فقالوا فيما بينهم : لو أنا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة ، فإنّا نستحي أن نمرّ بهم وإبلنا فارغة ،
__________________
(١) في الأصل «سليمان» والتصويب عن «شرح السنة» و «سير أعلام النبلاء» (١٥ / ٥٠٢ ـ ٥٠٦)
__________________
(١) في المخطوط وحده «صفاوة».