أنا الشافعي أنا عبد الوهّاب عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سافر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين مكة والمدينة آمنا لا يخاف [إلا](١) الله [تعالى] فصلى (٢) ركعتين.
وذهب قوم إلى أنّ ركعتي المسافر ليستا بقصر إنّما القصر أن يصلّي ركعة واحدة في الخوف ، يروى ذلك عن جابر رضي الله عنه وهو قول عطاء وطاوس والحسن ومجاهد ، وجعلوا شرط الخوف المذكور في الآية باقيا ، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الاقتصار على ركعة واحدة لا يجوز خائفا كان أو آمنا.
واختلف أهل العلم في مسافة القصر ، فقالت طائفة : يجوز القصر في السفر الطويل والقصير ، روي ذلك عن أنس رضي الله عنه ، وقال عمرو بن دينار : قال لي جابر بن زيد : أقصر بعرفة ، أمّا عامة الفقهاء فلا يجوّزون القصر في السفر القصير ، واختلف (١) في حد ما يجوز فيه (٢) القصر ، فقال الأوزاعي : مسيرة يوم ، وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا ، وإليه ذهب مالك وأحمد وإسحاق وقول الحسن والزهري قريب من ذلك ، فإنّهما قالا : مسيرة يومين ، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه ، قال : مسيرة ليلتين قاصدتين ، وقال في موضع : ستة وأربعون ميلا بالهاشمي ، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي مسيرة ثلاثة أيام ، وقيل : قوله (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء : ١٠١] متصل بما بعده من صلاة الخوف منفصل عمّا قبله ، روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال : نزل قوله (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) [النساء : ١٠١] هذا القدر ، ثم بعد حول سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن صلاة الخوف فنزل : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) [النساء : ١٠١](وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) الآية. ومثله في القرآن كثير أن يجيء الخبر بتمامه ثم ينسّق عليه خبر آخر ، وهو في الظاهر كالمتصل به ، وهو منفصل عنه ، كقوله تعالى : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [يوسف : ٥١] ، وهذه حكاية عن امرأة العزيز ، وقوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [يوسف : ٥٢] إخبار عن يوسف عليهالسلام.
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢))
__________________
السّختياني.
ـ وهو في «شرح السنة» (١٠٢٠) بهذا الإسناد.
ـ رواه المصنف من طريق الشافعي ، وهو في «مسنده» (١ / ١٨٠) عن عبد الوهاب بن عبد المجيد بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه الترمذي ٥٤٧ والنسائي ٣ / ١١٧ وأحمد ١ / ٢١٥ من طريق هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس به.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ا ه.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٢) في «شرح السنة» (١٠٢٠) «يصلي».
__________________
(١) في المخطوط وحده «اختلفوا».
(٢) في المطبوع «به».