ع [٦٩٥] وروي : أنه لما نزلت هذه الآية سمعها رجل من بني ليث شيخ كبير مريض يقال له جندب (١) بن ضمرة ، فقال : والله ما أنا ممن استثنى الله عزوجل وإني لأجد حيلة ، ولي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد منها ، والله لا أبيت الليلة بمكة ، أخرجوني فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم فأدركه الموت ، فصفّق بيمينه على شماله ثم قال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك ، فمات فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : لو وافى المدينة لكان أتمّ وأوفى أجرا ، وضحك المشركون وقالوا : ما أدرك هذا ما طلب ، فأنزل الله : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ).
أي : قبل بلوغه إلى مهاجره ، (فَقَدْ وَقَعَ) أي : وجب (أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ، بإيجابه على نفسه فضلا منه ، (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَ
نْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١))
قوله عزوجل : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : سافرتم ، (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ، أي : حرج وإثم (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ، يعني من أربع ركعات إلى ركعتين ، وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء ، (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ) أي : يغتالكم ويقتلكم (الَّذِينَ كَفَرُوا) ، في الصّلاة ونظيره قوله تعالى : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) [يونس : ٨٣] ، أي : يقتلهم. (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) أي : ظاهر العداوة ، اعلم أن قصر الصّلاة في السفر جائز بإجماع الأمة ، واختلفوا في جواز الإتمام فذهب أكثرهم إلى أن القصر واجب ، وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس رضي الله عنهم ، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة وهو قول مالك وأصحاب الرأي ، لما :
ع [٦٩٦] روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : الصلاة أول ما فرضت ركعتين ، فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر (٢).
__________________
ع [٦٩٥] ـ علّقه الواحدي في «أسباب النزول» (٣٥٧) عن ابن عباس في رواية عطاء.
ـ وورد مختصرا من حديث ابن عباس أخرجه أبو يعلى ٢٦٧٩ والطبراني في «الكبير» (١١٧٠٩) وفي إسناده عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي ، وأشعث بن سوّار ، وكلاهما ضعيف وانظر «الإصابة في تمييز الصحابة» (١ / ٢٥١).
ع [٦٩٦] ـ صحيح. أخرجه البخاري ١٠٩٠ و ٣٩٣٥ ومسلم ٦٨٥ والنسائي ١ / ٢٢٥ والدارمي ١ / ٣٥٥ والبيهقي ٣ / ١٤٣ من طرق عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة.
ـ وأخرجه البخاري ٣٥٠ ومسلم ٦٦٨ وأبو داود ١١٩٨ والنسائي ١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ومالك ١ / ١٤٦ وأحمد ٦ / ٢٧٢ وابن حبان ٢٧٣٦ و ٢٧٣٧ والبيهقي ٣ / ١٤٣ من طرق عن صالح بن كيسان ، عن عروة ، عن عائشة.
__________________
(١) وقع في النسخ والمخطوط «جندع» والمثبت عن عامة كتب التخريج ، وذكره الحافظ في «الإصابة» (١ / ٢٤٨) فقال : جندب بن ضمرة .... في جندع.
ثم قال (١ / ٢٥١) جندع بن ضمرة ثم ذكره عن غير واحد بقوله «جندب» ولم يتعرض للاختلاف في اسمه أو من ذكره على أنه «جندع».
(٢) الخبر في المطبوع «فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين في الحضر والسفر ، فأقرت صلاة السفر ، وأتمت صلاة الحضر».