تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) ، وقال قتادة والسدي : لمّا أنزل الله قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : ١١] قال الرجال (١) إنّا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة فيكون أجرنا على الضّعف من أجر النساء كما فضّلنا عليهنّ في الميراث فقال الله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) من الأجر (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) معناه : أن الرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء ، وذلك أن الحسنة تكون بعشرة أمثالها يستوي فيها (٢) الرجال والنساء ، وإنّ فضل الرجال في الدنيا على النساء ، وقيل : معناه للرجال نصيب مما اكتسبوا من أمر الجهاد وللنساء نصيب مما اكتسبن من طاعة الأزواج وحفظ الفروج. [يعني : إن كان للرجال فضل الجهاد فللنساء فضل طاعة الأزواج وحفظ الفروج](٣) قوله تعالى : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) ، قرأ ابن كثير والكسائي (وسلوا ، وسل ، فسل) ، إذا كان قبل السين واو أو فاء بغير همز ، ونقل حركة الهمزة إلى السين ، والباقون بسكون السين مهموزا. فنهى الله تعالى عن التمنّي لما فيه من دواعي الحسد ، والحسد أن يتمنى (٤) زوال النعمة عن صاحبه [سواء تمناها لنفسه أم لا](٥) ، وهو حرام ، والغبطة أن يتمنى لنفسه مثل ما لصاحبه وهو جائز. قال الكلبي : لا يتمنى الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه ، ولكن ليقل اللهم ارزقني مثله ، وهو كذلك في التوراة وذلك في القرآن. وقوله : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي : من رزقه ، [و] قال سعيد بن جبير : من عبادته ، فهو سؤال التوفيق للعبادة ، وقال سفيان بن عيينة : لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي. (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣))
(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) أي : ولكل واحد من الرجال والنساء جعلنا موالي ، أي : عصبة يعطون (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) والوالدان والأقربون هم المورثون ، وقيل : معناه ولكل جعلنا موالي أي : ورثة (مِمَّا تَرَكَ) أي : من الذين تركهم ويكون (ما) بمعنى من ، ثم فسّر الموالي فقال : (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) أي : هم الوالدان والأقربون ، [فعلى هذا القول : الوالدان والأقربون](٦) هم الوارثون ، (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) ، قرأ أهل الكوفة : (عَقَدَتْ) بلا ألف ، أي : عقدت لهم أيمانكم وقرأ الآخرون : عاقدت أيمانكم ، والمعاقدة : المحالفة والمعاهدة ، والأيمان جمع يمين ، من اليد والقسم ، وذلك أنهم كانوا عند المخالفة يأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسّك بالعهد. ومخالفتهم أن الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك [وهدمي هدمك](٧) وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عنّي وأعقل عنك فيكون للحليف السدس من مال الحليف ، وكان ذلك [ثابتا](٨) في ابتداء الإسلام فذلك قوله تعالى : (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي : أعطوهم حظّهم من الميراث ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال : ٧٥] ، وقال إبراهيم ومجاهد : أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث لهم ، وعلى هذا تكون هذه الآية غير منسوخة لقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١].
__________________
(١) تصحف في المطبوع «الرجل».
(٢) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «فيه».
(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٤) زيد في المطبوع وحده «الرجل».
(٥) العبارة في المخطوط و ـ ط «ويتمناها لنفسه».
(٦) زيد في المطبوع.
(٧) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٨) زيادة عن المخطوط.