الصحابة إلى أن الكلالة من لا ولد له ولا والد له. وروي عن الشعبي قال : سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة فقال : إني سأقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان ، أراه ما خلا الوالد والولد ، فلما استخلف عمر رضي الله عنهما قال : إني لأستحيي من الله أن أردّ شيئا قاله أبو بكر رضي الله عنه ، وذهب طاوس إلى أن الكلالة من لا ولد له ، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وأحد (١) القولين عن عمر رضي الله عنه ، واحتج من ذهب إلى هذا بقول الله تعالى : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء : ١٧٦] ، وبيانه عند العامة مأخوذ من حديث جابر بن عبد الله ، لأن الآية نزلت فيه ولم يكن له يوم نزولها أب ولا ابن ، لأن أباه عبد الله بن حرام قتل يوم أحد ، وآية الكلالة نزلت في آخر عمر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فصار شأن جابر بيانا لمراد الآية لنزولها فيه ، واختلفوا في أن الكلالة اسم لمن؟ فمنهم من قال : اسم للميت ، وهو قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما ، لأنه مات عن ذهاب طرفيه ، فكل عمود نسبه ، ومنه من قال : اسم للورثة ، وهو قول سعيد بن جبير ، لأنهم يتكللون الميت من جوانبه ، وليس في عمود نسبه أحد ، كالإكليل يحيط بالرأس ووسط الرأس منه خال ، وعليه يدل حديث جابر رضي الله عنه حيث قال : إنما يرثني كلالة (١) ، أي : يرثني ورثة ليسوا بولد ولا والد ، قال النضر بن شميل : الكلالة اسم للمال ، وقال أبو الخير : سأل رجل عقبة عن الكلالة فقال : ألا تعجبون من هذا يسألني عن الكلالة ، وما أعضل بأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ما أعضلت بهم الكلالة ، وقال عمر رضي الله عنه : ثلاث لأن (٢) يكون النبي صلىاللهعليهوسلم بينهن لنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها : الكلالة والخلافة وأبواب الربا (٣).
ع [٥٤٠] وقال معدان بن أبي (٤) طلحة : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة ، ما راجعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ في شيء ما أغلظ لي في الكلالة ، حتى طعن بأصبعه في صدري فقال : «يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء» ، وإني إن أعش أقض بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ [القرآن](٢).
فقوله : «ألا تكفيك آية الصيف»؟ أراد : أن الله عزوجل أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول سورة النساء والأخرى في الصيف ، وهي التي في آخرها ، وفيها من البيان ما ليس في آية الشتاء ، فلذلك أحاله عليها ، قوله تعالى : (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) أراد به الأخ والأخت من الأم بالاتفاق [و] قرأ سعد بن أبي وقاص «وله أخ أو أخت من أم» ولم يقل لهما مع ذكر الرجل والمرأة من قبل ، على عادة العرب إذا ذكرت اسمين ثم أخبرت عنهما ، وكانا في الحكم سواء ،
__________________
(١) انظر ما تقدم برقم ٥٣٧.
(٢) في الأصل «لا» والتصويب عن «ط» وعن «كتب التخريج».
(٣) خبر عمر أخرجه الحاكم ٢ / ٣٠٤ وعبد الرزاق ١٠ / ٣٠٢ والبيهقي ٦ / ٢٢٥ وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي وانظر «صحيح البخاري» (٧٣٣٧) ومسلم ٣٠٣٢.
ع [٥٤٠] ـ صحيح. أخرجه مسلم ٥٦٧ و ١٦١٧ والنسائي في «الكبرى» «١١١٣٥» وأحمد ١ / ١٥ و ٢٧ ـ ٢٨ وأبو يعلى ١٨٤ عن معدان بن أبي طلحة به. ويأتي في آخر سورة النساء إن شاء الله تعالى.
(٤) في الأصل «معد بن طلحة» والتصويب من «ط» ومن «كتب التخريج».
__________________
(١) في المطبوع وحده «وآخر».
(٢) زيادة عن المخطوط.