فبكيت فقال : «ما يبكيك»؟ فقلت : يا رسول الله إنّ كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله؟ فقال : «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة»؟.
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠))
قوله عزوجل : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) الآية.
ع [٥١٤] قال ابن عباس وجابر وأنس وقتادة : نزلت في النجاشي ملك الحبشة ، واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية ، وذلك أنه لمّا مات نعاه جبريل عليهالسلام لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم ، النجاشي» [فخرج إلى البقيع وكشف له إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي](١) وصلّى عليه وكبر أربع تكبيرات ، واستغفر له ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط ، وليس على دينه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال عطاء : نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الروم ، كانوا على دين عيسى عليهالسلام ، فآمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال ابن جريج : نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه ، وقال مجاهد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم ، (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) ، (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) ، يعني : القرآن ، (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) ، يعني : التوراة والإنجيل ، (خاشِعِينَ لِلَّهِ) خاضعين متواضعين لله ، (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) ، يعني : لا يحرفون كتبهم ولا يكتمون صفة محمد صلىاللهعليهوسلم لأجل الرئاسة والمأكلة ، كفعل غيرهم من رؤساء اليهود ، (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) ، قال الحسن : اصبروا على دينكم فلا تدعوه لشدّة ولا رخاء ، وقال قتادة (٢) : اصبروا على طاعة الله ، وقال الضحاك ومقاتل بن سليمان : على أمر الله ، وقال
__________________
ع [٥١٤] ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٨٧) بدون إسناد عن جابر وابن عباس وأنس وقتادة ، وعزاه الحافظ في «تخريج الكشاف» (١ / ٤٥٩) رقم : ٢٤٦ للثعلبي عن ابن عباس وقتادة.
ـ وورد بنحوه من حديث أنس أخرجه النسائي في «التفسير» (١٠٨ و ١٠٩) والبزار «كشف الأستار» (٣٨٢) والطبراني في «الأوسط» (٢٦٨٨) والواحدي ٢٨٨ ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في «المجمع» (٣ / ٣٨) لكن ليس فيه «ونظر إلى أرض الحبشة ، فأبصر سرير النجاشي» فهذه زيادة غريبة جاءت بدون إسناد. وصلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم على النجاشي ثابتة في الصحيحين.
فقد أخرج البخاري ١٢٤٥ و ١٣٣٣ ومسلم ٩٥١ وأبو داود ٣٢٠٤ ومالك ١ / ٢٢٦ وابن حبان ٣٠٦٨ عن أبي هريرة «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه خرج إلى المصلى ، فصفّ بهم وكبّر أربعا» هذا لفظ البخاري الأولى.
ـ وورد من حديث جابر أخرجه البخاري ١٣١٧ و ١٣٢٠ و ٣٨٨٧ ومسلم ٩٥٢ وعبد الرزاق ٦٤٠٦ وابن حبان ٣٠٩٧ و ٣٠٩٩ وله شواهد تبلغ به حدّ الشهرة ، لكن ليس في شيء منها ـ ذكر نزول الآية ، ولا أنه عليه الصلاة والسلام رأى أرض الحبشة ، وإن كان ذلك غير مستبعد ، وليس فيه كلام المنافقين في ذلك والله أعلم.
__________________
(١) سقط من المخطوط.
(٢) تصحف في المخطوط «عطاء».