رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥))
قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) ، الآية ، قال الكلبي (١) : نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن التابوت وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا محمد تزعم أن الله تعالى بعثك إلينا رسولا وأنزل عليك كتابا وأن الله تعالى قد عهد إلينا في التوراة (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ) ، يزعم أنه من عند الله ، (حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) ، فإن جئتنا به صدقناك ؛ فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا) أي : سمع الله قول الذين قالوا ، ومحل (الَّذِينَ) خفض ردّا على (الَّذِينَ) الأول ، (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) أي : أمرنا وأوصانا في كتبه أن لا نؤمن لرسول ، أي : لا نصدق رسولا يزعم أنه جاء من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فيكون دليلا على صدقه ، والقربان : كل ما يتقرّب به العبد إلى الله تعالى من نسيكة وصدقة وعمل صالح ، وهو فعلان من القربة ، وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل ، وكانوا إذا قربوا قربانا أو غنموا غنيمة جاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها ، ولها دوي وحفيف ، فتأكله وتحرق ذلك القربان وتلك الغنيمة فيكون ذلك علامة القبول ، وإذا لم يقبل بقيت على حالها.
وقال السدي : إنّ الله تعالى أمر بني إسرائيل من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح ومحمد فإذا أتياكم فآمنوا بهما ، فإنهما يأتيان بغير قربان ، قال الله تعالى إقامة للحجة عليهم ، (قُلْ) ، يا محمد ، (قَدْ جاءَكُمْ) ، يا معشر اليهود ، (رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) ، من القربان (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ)؟ يعني : زكريا ويحيى [عليهمالسلام](١) وسائر من قتلوا من الأنبياء ، وأراد بذلك أسلافهم فخاطبهم بذلك لأنهم رضوا بفعل أسلافهم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، معناه تكذيبهم (٢) إياك مع علمهم بصدقك ، كقتل آبائهم الأنبياء ، مع الإتيان بالقربان والمعجزات ، ثم قال معزّيا لنبيّه صلىاللهعليهوسلم :
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) ، قرأ ابن عامر «وبالزبر» أي : بالكتب المزبورة ، يعني : المكتوبة ، واحدها [زبور](٣) مثل :
رسول ورسل ، (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) ، الواضح المضيء.
قوله عزوجل : (كُلُّ نَفْسٍ) [منفوسة](٤)(ذائِقَةُ الْمَوْتِ) :
ع [٥٠١] وفي الحديث : «لمّا خلق الله تعالى آدم اشتكت الأرض إلى ربّها لما أخذ منها ، فوعدها أن يردّ
__________________
(١) عزاه المصنف للكلبي ، وإسناده إليه مذكور أول الكتاب ، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٧٧) عن الكلبي بدون إسناد والكلبي متروك متهم.
ع [٥٠١] ـ لم أره بهذا اللفظ ، وهو غريب ، ولعله من الإسرائيليات ، ولعجزه ، وهو «ما من أحد إلا ويدفن ...» شواهد واهية جدا منها حديث أبي هريرة ، أخرجه ابن الديلمي في «زهر الفردوس» (٤ / ١٧) وفيه محمد بن إسحاق الأهوازي ، متهم بالوضع ؛ وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه ابن الجوزي في «الواهيات» (٣١٠) ، وحكم بوهنه ، وذكر السيوطي
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «تعذيبهم».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) سقط من المخطوط.