واتّبعوا غيره ، فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا ، فقال النجاشي : ما هذا الدين الذي كنتم عليه [وتركتموه](١) والدين الذي اتّبعتموه اصدقني؟ قال جعفر : أمّا الدين الذي كنّا عليه فتركناه فهو دين الشيطان كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة ، وأمّا [الدين](٢) الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب عيسى ابن مريم ، موافقا له ، فقال النجاشي : يا جعفر لقد تكلّمت بأمر عظيم فعلى رسلك ، ثم أمر النجاشي فضرب بالناقوس فاجتمع إليه (٣) كل قسيس وراهب فلما اجتمعوا عنده ، قال النجاشي : أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبيّ مرسل ، فقالوا : اللهمّ نعم قد بشّرنا به عيسى ، وقال : من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي ، فقال النجاشي لجعفر : ما ذا يقول لكم هذا الرجل؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟ قال : يقرأ علينا كتاب الله ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويأمر بحسن الجوار وصلة الرحم ، وبرّ اليتيم ، ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له ، فقال : اقرأ عليّ [شيئا](٤) مما يقرأ عليكم ، فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم ، ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع ، وقالوا : زدنا يا جعفر من هذا الحديث الطيّب ، فقرأ عليهم سورة الكهف ، فأراد عمرو أن يغضب النجاشي ، فقال : إنهم يشتمون عيسى وأمه ، فقال النجاشي : ما تقولون في عيسى وأمه؟ فقرأ جعفر عليهم سورة مريم ، فلما أتى على ذكر مريم وعيسى عليهماالسلام رفع النجاشي نفثة (٥) من سواكه قدر ما يقذي العين ، فقال : والله ما زاد المسيح على ما تقولون مثل هذا ، ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال : اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي ـ يقول : آمنون ـ من سبّكم أو آذاكم غرّم ، ثم قال : أبشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم ، قال عمرو : [يا نجاشي](٦) ومن حزب إبراهيم؟ قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن تبعهم ، فأنكر ذلك المشركون وادّعوا [في](٧) دين إبراهيم ، ثم ردّ النجاشي على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه ، وقال : إنما هديتكم إليّ رشوة فاقبضوها ، فإن الله ملّكني ولم يأخذ مني رشوة ، قال جعفر : فانصرفنا فكنّا في خير دار وأكرم جوار ، وأنزل الله تعالى في ذلك اليوم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في خصومتهم في إبراهيم ، وهو بالمدينة (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)).
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢))
قوله عزوجل : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ، نزلت في معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر حين دعاهم اليهود إلى دينهم ، فنزلت (وَدَّتْ طائِفَةٌ) ، أي : تمنّت جماعة من أهل الكتاب يعني اليهود ، (لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) [يستزيلونكم](٨) عن دينكم ويردّونكم إلى الكفر ، (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ).
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «عليه».
(٤) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٥) تصحف في المخطوط هذا اللفظ إلى «نفسه من سواله».
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط و «أسباب النزول».
(٨) زيد في المطبوع وحده ، ويدل عليه عبارة «الوسيط» (١ / ٤٤٨)